صدام بين رفاقه

TT

لا يساور من يشاهد دراما جلسات المحكمة التاريخية في بغداد، كم هو قوي الشخصية صدام حسين في قفصه. لا يزال رئيسا، أو هكذا يوحي للجميع رغم إصرار القاضي على تذكيره بأنه متهم. والمتهمون من رفاقه المتهمين يعاملونه كما لو كان رئيسا يأمر فيطاع ويقول فيصدق.

أما  أخوه برزان التكريتي فقد ظهر ممثلا رديئا من الدرجة الثالثة، كثير الصراخ وافتعال المعارك وادعاء المرض. والمفارقة أن برزان كان يقدم الى العالم، والإعلاميين في الخارج تحديدا، على أنه الوجه الحسن لنظام قبيح، وأن برزان لا علاقة له بما كان يحدث، بل تمرد على الوضع القائم آنذاك وغادر بغداد واختار سويسرا منفى، متخليا عن كل مميزاته، تاركا وراءه منصب رئيس المخابرات وصار مسؤولا عن حقوق الإنسان في منفاه الاختياري. كان برزان عمليا هو رئيس الدعاية الصدامية في الخارج وممولها، وكسب تلك السمعة المزورة من ورائها.

أما برزان الذي رأيناه في المحكمة بملابسه الداخلية، فبدا شخصية شريرة وجبانة ومدعية. فقد أنكر كل وثيقة موقعة بقلمه، زاعما أنها لأحد غيره، أما صدام فكان يتطوع معلنا انه مسؤول وحده عن كل ورقة تحمل توقيعه ولا يحاسب عليها رفاقه في القيادة. وسبق لبرزان أن روج رواية مرضه، وأنه يعاني في زنزانته ويدعي أنه على وشك الموت، طالبا تدخل زعماء العالم والرئيس العراقي ورئيس الوزراء لإطلاق سراحه. أما في المحكمة فقد ظهر في صحة جيدة، وأكثر الحضور اعتراضا ولجاجا، فأرهق المحكمة من دون أن يبدو عليه الإرهاق، وكان يردد قوله «أنتم تقمعونني حتى لا أتكلم». قاضي المحكمة نفد صبره فأجابه بأن المحكمة صدرها واسع وأنه، أي برزان، أخذ ربع وقت المحكمة بالحديث والمقاطعة أكثر من بقية المتهمين والمدعين.

برزان حظه سيئ لأنه عاد الى بغداد في الوقت السيئ وهو الذي خرج منها في ذروة حصارها مستمتعا بالحياة بالقرب من بحيرة جنيف. واللهم لا شماتة، فقد داهمته النوائب متسلسلة، حيث توفيت زوجته الثانية مع بداية محاكمته، وقضت زوجته الأولى قبيل اعتقاله، والتي ماتت بالمرض هي الأخرى.

أما بقية المتهمين فقد كانوا أكثر استمتاعا بالخروج من زنزاناتهم ومشاهدة العالم أو مشاهدة العالم لهم، واكتفوا بتأييد السيد الرئيس عندما كان يرمقهم بعينه بين الفينة والفينة مداومين على الخضوع له. ولا يلامون على ذلك لأنهم يتصورون مستقبلهم من أحد احتمالين، استعطاف المحكمة التي قد تخضع لضغوط دولية فتكتفي بسجنهم ثم العفو عنهم لاحقا، أو أن تنقلب الأمور ويعود صدام رئيسا، كما يظن صدام نفسه، حيث لن يغفر لهم على عادته وسيعتبر تخاذلهم خيانة ويرسلهم بدوره الى المقصلة.

 

 

[email protected]