أميركا.. نجاح القوة وفشل الإقناع

TT

يشخص فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية «نهاية التاريخ» خطأ أميركا القاتل في علاقاتها الخارجية، إذ يرى إن الولايات المتحدة الأميركية تعتمد على القوة فقط، وأن هذه القوة تفتقر إلى قوة الإقناع في تعاملها مع الآخر حينما تنظر إليه باستصغار، الأمر الذي تنتج عنه أزمة الثقة التي تعاني منها أميركا في علاقتها مع الآخرين.

وتشخيص فوكوياما، وهو من المحسوبين على المحافظين الجدد، الذي يتضمن شيئا من النقد إلى إدارة يهيمن عليها زملاء من نفس الخندق الفكري الذي ينتمي إليه فوكوياما، إنما يحمل الكثير من المؤشرات على تباين الآراء حتى داخل اليمين الأميركي الجديد، الذي يجتاح جناحه في الحكم حمى التفرد لحكم العالم، والذي يسعى لأن تكون أميركا وحدها المهيمنة والمسيطرة والعصا المسلطة على كل من تسول له نفسه التمرد على سياسة القطيع، وهم يجهلون أو يتجاهلون أن التحولات الاجتماعية الكبرى لا يمكن أن تصنعها عصا سحرية فورية، أو تفرضها قوة قسرية، فقد كان العالم وسيظل مسرحا لكل الأطياف، ومن المستحيل اختزال كل أطيافه في نموذج واحد يرى أنه الأفضل والأمثل والأوحد، ولذا فإن إصرار أميركا على تطبيق النموذج الأميركي في بيئات اجتماعية لها مكوناتها وثقافاتها وخبراتها التي تختلف جذريا عن التجربة الأميركية، وتجاهلها لخصوصيات الآخر، سيجعلها على الدوام في مواجهة معه، وستنهكها هذه الغاية كثيرا مهما تعاظم إحساسها بالقوة، خاصة أن خريطة خصوماتها تتسع يوما بعد آخر.

ويبدو أن تجربة اليمين الجديد في أميركا تجربة ناجحة على مستوى إخراج الجني من القمقم، ولكنها تتسم بالعجز على مستوى ضبطه أو إرجاعه، فلقد تمكنت أميركا من إسقاط نظام صدام، ولكنها فشلت في خلق مرحلة مثلى لما بعد صدام، كما استطاعت إسقاط نظام طالبان في أفغانستان ولكنها عجزت عن توفير الاستقرار للأفغانيين، تماما كما يشير فوكوياما إلى أن أميركا تجيد استخدام القوة ولكنها تفتقر وسيلة إقناع الآخر، الأمر الذي لا يستطيع معه أحد أن يتنبأ بكيفية خروج أميركا من الأنفاق المظلمة التي دخلتها، فكلا النظامين الوليدين في كابل وبغداد يحتاج إلى مرحلة حضانة أميركية أطول حتى يمكن له الاستقلال عن «ماما أميركا» والاعتماد على الذات لضمان استمراره وحمايته من فلول المتربصين به حينما يغدو وحيدا.

ولا استبعد إن تورطت أميركا في الدخول إلى المزيد من الأنفاق المظلمة أن تنتصر تلك الأصوات التي تنادي بأن تكف أميركا عن لعب دور شرطي العالم، وأن لا تخرج عن ذاتها إلا بالقدر الذي تفرضه مصالحها، فالعالم لدى شريحة متنامية من الأميركان ينتهي عند حدود أميركا.

[email protected]