كيف أدخل فوز حماس «إخوان» الأردن في مأزق؟

TT

كما وضعت حركة «حماس» نفسها من خلال الفوز الذي حققته في آخر انتخابات تشريعية فلسطينية في مأزق صعب من المنتظر أن يزداد تفاقماً كلما اقتربت لحظة دفع الاستحقاقات السياسية، التي لابد من دفعها، كذلك فإنها وضعت الإخوان المسلمين في الاردن في المأزق نفسه فهؤلاء كانوا أكثر حماساً للعمليات الانتحارية من «حماس» نفسها وهؤلاء بقوا يقتاتون سياسياً، خلال أكثر من عقد ونصف من الأعوام، على إنجازات هذه الحركة في الضفة الغربية وغزة.

في البداية لم يخطر ببال «إخوان» الاردن ان الفوز الذي حققته حركة «حماس» الشقيقة سيرتب عليه استحقاقات تتعلق بصلب ثوابتها الأساسية وفي مقدمة ذلك القبول بالمساومة التاريخية، التي كانت ترفضها وتصر على رفضها، من الاعتراف بإسرائيل الى الاعتراف باتفاقيات أوسلو الى القبول بعملية السلام التي أصبح عنوانها «خريطة الطريق» وقيام دولة فلسطينية الى جانب الدولة الإسرائيلية.

لم يدرك «الإخوان المسلمون» في الأردن في البداية أن ثمن الفوز الذي حققته الحركة الشقيقة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة سيكون غالي الثمن وسيضعهم هم أيضاً في مأزق بمستوى مأزق «حماس» نفسها، فاستبدت بهم نشوة الانتصار وتفجرت كل الأحلام والأماني والتطلعات التي كانوا يحبسونها في صدورهم وانطلقوا يرددون على رؤوس الأشهاد ان لحظة قفزهم الى مقاعد السلطة قد حانت وأن هذه اللحظة أصبحت في متناول اليد!!. لقد أخذوا يتصرفون تصرف القرعاء التي لم تجد ما تتباهى به سوى شعر إبنة خالتها فرفعوا شعار: «إن المرحلة مرحلة القوى والأحزاب السياسية الإسلامية.. وإننا قادمون» فأخافوا الدولة والحكم وأشعروا المجتمع الأردني المنفتح بأن عليه أن يستعد للعودة الى الخلف على غرار ما حدث في إيران بعد انتصار الثورة الخمينية في مثل هذه الأيام من عام 1979.

لكن هذه الإندفاعة العفوية ما لبثت ان بدأت تخمد وتتراجع تدريجياً قياساً بما كانت عليه في الأيام الاولى بعد فوز «حماس» مباشرة، فالحركة «الشقيقة» المنتصرة بدأت تتحدث لغة غير اللغة السابقة، وبدأ قادتها يتحدثون عن الالتزام بكل الاتفاقيات التي أبرمتها السلطة الوطنية، وأخذوا يرسلون إشارات حمالة أوجه وذلك رغم أنهم بقوا يقولون، ولكن بنبرة رخوة، أنهم لن يعترفوا بإسرائيل وأنهم لن يرضخوا لكل الضغوط التي يتعرضون لها للانخراط في العملية السلمية.

لقد اقتربت لحظة دفع الاستحقاقات التي ترتبت على الفــوز الذي حققته حركة «حماس»، والذي أفرح «إخوان» الاردن أكثر من فرحة شقيقتهم المنتصرة به، فبات هؤلاء يشعرون بأن هذا الفوز الذي استنهض معنوياتهم قد يتحول الى كارثة محققة فتخلي حركة المقاومة الإسلامية عن ثوابتها سيضعهم على مفترق طرق صعب، فإما ان يسايروا هذه الحركة «الشقيقة» ويسيروا على الدرب الذي قد تضطر للسير عليه، فيخسروا وحدتهم ويفقدوا مبرر وجودهم وينتهوا نهاية مأساوية، وإما ان يبقوا على ما هم عليه الآن فيواجهوا عزلة حقيقية مُحتَّمة وقاتلة.

هناك الآن أمل لدى «إخوان» الأردن بأن تستطيع حركة «حماس» تجاوز المأزق الذي يواجهها بأقل الخسائر فتخلص نفسها وتخلصهم. وهنا فلابد من كشف النقاب عن أن أهم ما دار من نقاشات بين قادة هذه الحركة وبين كبار المسؤولين المصريين في لقاءات القاهرة الأخيرة قد تركز على الكيفية التي يمكن فيها دفع الاستحقاقات المطلوبة، ولكن بتدرج وخطوة بعد خطوة ووفق المعادلة القائلة: «لا يجوع الذئب ولا تفنى الأغنام»!.

لقد طرحت حركة «حماس» على المسؤولين المصريين في لقاءات القاهرة الأخيرة أنه بالإمكان حصر مسألة الاعتراف بإسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، على اعتبار أنها هي الجهة الوحيدة المخولة بمثل هذا الاعتراف، وانطلاقا من ان كل الاتفاقيات التي أُبرمت مع الدولة العبرية قد أبرمت باسمها. كما وطرحت أيضاً أنه بالإمكان حصر استمرار المفاوضات برئاسة السلطة الوطنية تحديداً وبرئيسها محمود عباس (أبو مازن) استنادا الى أنه هو رئيس منظمة التحرير وهو المخول من قبل المجلس الوطني الفلسطيني بالاستمرار بما كان يقوم به الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

وقالت حركة «حماس» للمسؤولين المصريين أيضاً ان المجلس التشريعي، الذي فازت في انتخاباته الأخيرة، لا يمثل الشعب الفلسطيني كله وإنما يمثل جزءاً من هذا الشعب وأن الذي يمثل فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الخارج والشعب الفلسطيني بأجمعه هو المجلس الوطني ولذلك وفي ضوء هذا كله فإنه بالإمكان اقتصار عمل الحكومة الفلسطينية، ومعها المجلس التشريعي الذي ستكون هذه الحكومة مسؤولة أمامه، على الخدمات والأمور الإجرائية اليومية وترك المفاوضات وعملية السلام بكل ما يترتب عليهما الى «أبو مازن» ومؤسسة الرئاسة الفلسطينية رئاسة منظمة التحرير ورئاسة السلطة الوطنية.

والمشكلة هنا هي أن إسرائيل لا يمكن ان تقبل لا بهذه الصيغة ولا بأي صيغة قريبة منها، وحتى وأن قبلت بها مصر وقبل بها العــرب جميعهم، فالإسرائيليون يريدون أن تعترف «حماس» بالدولة العبرية اعترافا مباشراً وواضحاً كل الوضوح ولا يحتمل أي تأويل إن هي أرادت أن تشكل الحكومة الفلسطينية المقبلة وترث حركة «فتح» في كل مؤسسات السلطة الوطنية وأجهزتها.

تريد إسرائيل من «حماس» ان تنبذ الإرهاب وأن تسقط شعار المقاومة بصورة مطلقة وان تفكك ما يسميه الإسرائيليون البـُنى الإرهابية وأن تنـزع الأسلحة مـن أيدي الفصائل الأخرى، ومن بينها حركة الجهاد الاسلامي، وأن تتكفل بالأفعال وليس بمجرد الأقوال بحماية أمن الدولة الإسرائيلية، وأن تدخل الى العملية السلمية من الأبواب العريضة وعلى أساس برامج « فتح « ومنظمة التحرير، وأن تتخلى عن برنامجها الحالي من ألفه الى يائه جملة وتفصيلاً.

إن هذا هو ما تريده إسرائيل.. وهي لن تتخلى عن شيء منه فهل ستستطيع حركة «حماس» يا ترى أن تقْدم على هذه الخطوة بدون مقدمات وبدون مرحلة انتقالية وبدون ان تُعطى فرصة لتجرع السم قطرة قطرة وعلى الطريقة الهندية المعروفة..؟!

كل المؤشرات تدل، على رغم كل الكلام الناعم والمرن الذي أخذ يردده قادة «حماس» منذ الفوز في الانتخابات الأخيرة، على أن هذه الحركة لا تزال غير مؤهلة للقيام بهذه الإنعطافة التاريخية، وأنه من غير السهل عليها ان تنتقل بالسرعة المطلوبة من مسار الى مسار آخر مختلف، فالمفاهيم التي تم ترسيخها لدى قواعدها وأعضائها لا يمكن استبدالها بين عشية وضحاها.. وهذا الأمر بحاجة الى التدرج والى مرحلة انتقالية تكون بمثابة إعادة تأهيل لهؤلاء جميعاً، واستدراجهم للقبول بما كان يعتبر أم الكبائر ومن المحرمات.

لكن وبالنتيجة فإنه من غير الممكن ان تبقى هذه الحركة، التي بات في حكم المؤكد ألا يجري تكليفها بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة قبل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في إبريل (نيسان) المقبل تجنباً لوضع ورقة قيمة في يد بنيامين نتنياهو تساعدهُ على الفوز في هذه الانتخابات، حائرة بين الحرب والسلام وتبقى تردد كلاماً غير مفهوم إن في هذا الاتجاه أو في ذاك. كل المؤشرات بل والمعلومات تدل على ان زيارة قادة «حماس» الى موسكو متفق عليها مع أوروبا ومع الولايات المتحدة أيضاً وأنها ستكون البداية التي ستدْخُلُ هذه الحــركة عبرها الى عملية السلام، إن ليس في المدى القريب فعلى المدى الأبعد قليلاً، وهذا كله سيضع «إخوان» الأردن في وضع لا يحسدون عليه، وسيجعلهم يدفعون استحقاقات ما كانوا يعتقدون أنهم سيدفعونها، قبل الفوز الذي حققه جناحهم الفلسطيني الذي هو حركة المقاومة الإسلامية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة.