معنى دخول حماس الى الكرملين

TT

أمام الدعوة التي أطلقها البلشفي السابق والرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، لقيادة حركة حماس لزيارة موسكو، لا يمكننا سوى أن نقول «سبحان الذي يغّير ولا يتغّير». فقد اعتادت قيادات اليسار الفلسطيني، أن تجد حليفاً غير مكلف، قدم لها كل المساعدات السياسية والعسكرية دون أن تعمل على تثمين هذا الدعم والإسناد، كما كان متوقعاً، كما تعودت أن تجد فضاءها المفتوح عبر موسكو، ولم تتوان عن الاقامة المستديمة ما بين براغ وبودابست... وموسكو، وطبعاً في «الحجيج» الى الكرملين والى ضريح قائد الثورة البلشفية فلاديمير ايليتش لينين.وعليه، تحولت موسكو من «محجة» لأقطاب اليسار والبلشفيك العرب، ومن «منتجع على البحر الأسود» مريح لقيادات الأحزاب إياها وأعضاء لجانها المركزية الى «دارة» لاستقبال قوى مغايرة صاعدة في سلم الحضور الشعبي. فاليسار الفلسطيني تآكل وأكلته معاركه الهوائية الداخلية والخارجية في فلسطين، و«حروب القبائل الماركسية» كما حصل في اليمن الجنوبي قبل توحيد شطري البلاد، وتنظيرات بعض أطرافه البائسة التي أصبحت تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن تحولت الى «دكاكين على «قدر الحال»، طبعاً مع استثناء الضمير التاريخي للشعب واليسار الفلسطيني جورج حبش، الذي وصفه قائد شيوعي عربي في جلسة خاصة معه قبل أيام في دمشق باعتباره «كريستال» النظافة والطهارة الوطنية واليسارية، بغض النظر عن اشتقاقاته السياسية. ان الحراك السياسي الفلسطيني أنتج الحالة الجديدة القائمة التي أوصلت حركة حماس الى الكرملين، وهو حراك لن يتوقف، ولا يعني البتة أن حركة حماس ستبقى قدراً قيادياً مسيطراً على الحالة السياسية الفلسطينية، أو حكماً مؤبداً مسيطراً على الشارع الفلسطيني، فالمجتمع الفلسطيني ديمقراطي في طبيعته يتجه بقاعدته العريضة نحو التحول الى مجتمع متمايز في تداول السلطة، فقد استطاعت انتفاضته الكبرى الثانية وتنامي تجربة الشتات أن تضع أسساً لا يمكن تجاوزها في العودة للشارع صاحب المصلحة الأساسية والرئيسية بكل ما يجري.

ان الانفتاح المتسارع لحركة حماس على الخارطة الدولية، لم يكن ليتم بالشكل الذي نلمسه اليوم، لولا الارادة الكاملة للرئيس محمود عباس، الذي بذل كل جهد من أجل انجاح العملية الانتخابية الديمقراطية الفلسطينية، وفتحه الأبواب على مصراعيها أمام الجميع للمشاركة في صنع القرار، بعيداً عن سياسة «الكوتا» المقيته التي حكمت الساحة الفلسطينية طوال العقود الماضية.

ان ولوج خالد مشعل وقيادة حركة حماس الى الكرملين، يشير في جانب منه الى النذر بأن وقائع الحياة السياسية ومصالح المنظومات الدولية المختلفة، تستوعب بالضرورة كل المتغيرات، خصوصاً أن المتغير الفلسطيني الجديد أطل بنفسه بطريقة ديمقراطية لا يمكن الطعن بها، على الرغم من بعض التنظيرات اليائسة التي أطلقها البعض من الفلسطينيين من الحالمين بعودة الدولاب الى الوراء.

ان موسكو التي وجدت نفسها مهمشة على امتداد الفترة الطويلة الماضية، تعمل للولوج الى دائرة الفعل بعد سنوات من الاقصاء الذي مورس بحقها من قبل الادارة الأمريكية. تقرع الأبواب بدقات قوية، تذكر العالم بأنها ما زالت الشريك الدولي القوى.

ومن منطلق تجربتها الفلسطينية، فان موسكو على قناعة شبه كاملة بأنها تتعاطى مع حركة حماس كطرف سياسي محنك ومشبع بالروح البراغماتية العالية، كما كان الأمر مع حركة فتح وقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات منذ العام 1969 حين رافق الرئيس عرفات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في زيارته الأولى الى موسكو، مع فارق الظروف والمعطيات.

* كاتب فلسطيني مقيم بدمشق