حماس وإسرائيل: أي فوضى هذه؟

TT

قررت أنه يتعين عليّ، وقبل الكتابة عن فوز حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، أن اتحدث الى الناس في الضفة الغربية أولا. اشعر بالسعادة لأنني فعلت ذلك. وكل شيء بالنسبة لي واضح الآن: أية فوضى !

فبرلمانيو حماس الجدد سيؤدون القسم يوم السبت المقبل، وما من أحد يعرف ما الذي سيجري بعدئذ. وهناك 14 من المشرعين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، بينهم 10 من حماس. وهذا يشكل ما يزيد على 10 في المائة من مجموع عدد أعضاء البرلمان.

والشيء الوحيد الواضح بالنسبة لي هو المزاج المتطرف للناخبين الاسرائيليين والفلسطينيين. تأملوا الأمر التالي: اسرائيل ستجري انتخاباتها العامة يوم 28 مارس المقبل، وافتتح حزب الليكود اليميني، الذي يقوده بيبي ناتانياهو، حملته بإعلانات تتهم حزب كديما الوسط، الذي يقوده رئيس الوزراء المؤقت ايهود أولمرت، بالتخطيط لانسحاب اسرائيل الى حدود عام 1967. غير أن الليكود سرعان ما تخلى عن ذلك الخط عندما أدرك أن كثيرا من الناخبين الاسرائيليين يميلون، في الوقت الحالي، الى فكرة الانسحاب الى حدود 1967 بحيث أن البعض فكروا بأن الاعلان أخذ من جانب كديما، بدلا من أن يكون هجوما على كديما من جانب الليكود.

وبدأ يوسي بيلين، الذي يتزعم حزب ميريتس اليساري، حملته بإعلان يقول: «بيلين سيقسم القدس». ومرة اخرى اذا ما رأيتم ذلك الاعلان قبل عقد لفكرتم انه من باب الطعن والتشهير. أما اليوم فانه وعد في حملة انتخابية ! فبعد اخفاق عملية السلام وحملة حماس في التفجيرات الانتحارية، يريد كثير من الاسرائيليين الانفصال الكامل عن الفلسطينيين، ووضع حاجز بينهما.

وقال أري شافيت، الكاتب في صحيفة هاآرتس انه «من الناحية الايديولوجية لم يكن الاسرائيليون أكثر ميلا الى الحمائم. ولكن ذلك الميل يعتمد على شرط ان هناك شريكا يمكننا الثقة به. واذا كان الأمر على هذا النحو فان الناس مستعدون لإعادة كل شيء. والأغلبية الساحقة تدعم الان اقامة دولتين. ولكننا أصبحنا حساسين في اللحظة ذاتها التي فقد فيها الفلسطينيون أحاسيسهم».

وقد أطاح الفلسطينيون بفتح، حزب عرفات القديم، لصالح حماس التي تريد ازالة اسرائيل واقامة دولة اسلامية على أرض فلسطين كلها. وأضاف شافيت انه عندما تغير اغلبية اسرائيل موقفها باتجاه اقامة دولتين، ينتخب الفلسطينيون حزبا يفضل دولة واحدة.

هل يفعلون ذلك؟ من الواضح أن حزب فتح الحاكم وحلفاءه، بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أداروا حملة انتخابية قاصرة. فلم يكن هناك تنظيم، ولهذا فان فتح وحلفاءها القوميين العلمانيين طرحوا أربعة مرشحين، بينما كانت حماس تطرح مرشحا واحدا على الدوام. ولهذا انقسمت اصوات فتح وتبعثرت، بينما لم يكن هذا مصير اصوات حماس.

وقال خبير الاستفتاء خليل الشقاقي ان النتيجة هي «فوز حماس بنسبة 44 في المائة فقط من الأصوات العامة، ولكنها حصلت على 56 في المائة من المقاعد. وفازت فتح وحلفاؤها بنسبة 56 في المائة من الأصوات العامة، ولكنها حصلت على 43 في المائة فقط من المقاعد».

ومن الواضح أن حماس انتخبت لتوفر حكما نزيها ونظاما. ولكنها انتخبت ايضا لأن حملة تفجيراتها الانتحارية اعتبرت عاملا حاسما في اخراج اسرائيل من غزة، وبالتالي حققت للفلسطينيين معيارا لكرامتهم وهو ما اخفقت فتح في فعله.

وتقول اسرائيل، مدعومة من الولايات المتحدة، انها ستوقف كل تعاملاتها وتدفقاتها المالية الى السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حماس، ما لم تعلن حماس عن ادانتها العنف وتعترف بإسرائيل وتقبل بكل الاتفاقات المعقودة بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. ويتوقع بعض الاسرائيليين ان حكومة مفلسة ماليا تقودها حماس ستؤدي الى الفوضى، وان عباس سيكون قادرا عندئذ على الدعوة الى اجراء انتخابات جديدة. ولا أعتقد ان الأمر سيكون بهذه البساطة.

والانطباع الذي خرجت به من مسؤولي حماس هنا هو أن حماس ستكون صبورة، وتحاول أن تحكم قدر الامكان بدون أموال من الخارج، وتسعى الى تحسين الحكومة الفلسطينية وتأمل أن يبقى المجتمع الفلسطيني راسخا، وان العالم العربي وأوروبا سيتدخلان بشكل ما لأبعاد اسرائيل والولايات المتحدة عن حرمان حماس من تفويضها المشروع.

وأشار فرحات أسد، المتحدث باسم حماس، قائلا: «أشكر الولايات المتحدة على أنها منحتنا سلاح الديمقراطية هذا. ولكن ليس هناك سبيل الى التراجع الآن. فليس من الممكن للولايات المتحدة والعالم أن يديروا ظهورهم الى نظام ديمقراطي منتخب».

ولكن حماس ستكون منشغلة تماما بإدارة الضفة الغربية، بينما لا تمتلك الكثير من الأشخاص أو الأسلحة كما هو حال فتح. وكما اشار الخبير الاستراتيجي الاسرائيلي غيدي غرينشتاين فان حماس «تشبه حية بلعت فيلا». ان لديها الكثير مما تهضمه قبل أن تتمكن من التحرك بنشاط في أي اتجاه.

وابلغني هشام عبد الله، مراسل وكالة الأنباء الفرنسية، انه عندما ذهب الى متجر الكتب الرئيسي في رام الله مؤخرا وسأل عن المبيعات، قال صاحب المتجر انه لاحظ أن افراد حماس يشترون كتب «ديل كارنيجي» حول الادارة.

* خدمة نيويورك تايمز