بأي حال عدت يا عيد

TT

لا اتمنى ان يصبح العالم قرية صغيرة ربما لأن الخيال يهفو الى الدهشة والتنوع. ولولا دفع الناس بعضهم لبعض لفسدت المعمورة.

ولكن هناك يوما واحدا من كل عام يتحول فيه العالم الى قرية يجرف سكانها مفهوم اسمه الحب. يوم كتابة هذه السطور هو اليوم الذي يحتفل فيه المحبون بعيد الحب. ولن انكر انني احتفلت مع المحتفلين فتبادلت مع زوجي الهدايا. وبذلك اصبحت رقما في احصائية تؤكد بأن اصحاب الرومانسية في بريطانيا ينفقون 47.2 مليون جنيه سنويا يوم عيد الحب في شراء الهدايا والزهور والحلوى والبطاقات لاهدائها لمن يحبون.

الاسكتلنديون يدعون بأن رفات فالانتاين القس الروماني الذي اكتسب القداسة بعد إعدامه في خدمة المحبين موجودة في احدى كنائسهم. ومن ثم تفتق ذهن احد اصحاب الرومانسية عن مشروع لبناء مدينة الحب لتصبح مزارا سياحيا يدر على مدينة جلاسجو دخلا. والروس في ذكرى الماضي الامبراطوري يقيمون زفافا جماعيا يوم عيد الحب في ساحة احد القصور الامبراطورية. والايرلنديون اقتبسوا من الاسطورة اسما فاصبح اسم فالانتاين من احب الاسماء التي تطلق على الابناء الذكور عندهم خاصة ان القس الروماني كان كاثوليكيا كالاغلبية العظمى من سكان الجزيرة الخضراء.

بدايات الاسطورة ترجع الى القرن الثالث الميلادي والى الامبراطورية الرومانية وحاكمها كلاوديوس. كان كلاوديوس من هواة شن الحروب ولما اصطدم برفض الشبان للتطوع والخدمة في جيوشه خوفا من الموت ومن ترك زوجاتهم وأولادهم بلا معين, سن قانونا يحرم الزواج.

في ذلك الوقت كان القس فالانتاين راعي كنيسة صغيرة فقرر ان يتجاوز القانون الظالم وان يبارك زيجات كثيرة على ضوء الشموع وتحت جنح الليل خفية وهمسا. وحين انكشف امره حبسه الامبراطور في سجن مظلم لا انيس فيه. ولم ينس المحبون حسن صنيعه فانهالت عليه باقات الورود والرسائل من نافذة السجن العالية مؤكدة ان الحب ينتصر رغم كل شيء.

وكانت واحدة من المشجعين هي ابنة السجان التي سمح لها والدها بزيارة القس في سجنه فنشأت بينهما مودة كبيرة. وفي اليوم المحدد لاعدامه، يوم 14 فبراير 269 ميلادية. ترك فالانتاين لها رسالة وقعها بامضائه: فالانتاين المحب لك.

ومن هنا نشأت عادة ارسال البطاقات الموقعة من محب الى محبوب في ذلك اليوم من كل عام. ومن رحم الاسطورة ولدت تقاليد وعادات نمت وترسخت وصارت امثالا. فمن الامثال المتداولة يقال ان فلانا يرتدي قلبه على طرف كمه. وهو مثل اقترن بعادة نشأت في العصور الوسطى لتيسير زواج الشبان والشابات. فقد كان سكان القرية يكتبون اسماء الشبان والشابات على قصاصات ورق تطوى وتوضع في اناء مغلق وفي احتفال جماعي يسمح لكل شاب وفتاة ان يلتقط ورقة من الاناء فإن قرأ الاسم واعجبه، ثبت الورق على طرف كمه لمدة اسبوع اعلانا بالقبول لكي يراها صاحب الاسم فيعلن عن قبول او رفض.

اطرف ما في الاساطير انه لا يمكن تصديقها تماما ولا يمكن تكذيبها أيضا لأنها تمس اوتارا في قلوب الناس. وكفى ان يصبح هذا اليوم استراحة قصيرة من اخبار الحرب والدمار والاغتيالات واغتصاب الارض واستغلال القوي للضعيف. قد يقول البعض انها تجارة مربحة ليس إلا فأقول وردة واحدة أو كلمة طيبة تكفي، ثم نواصل معركة الحياة فلا ننسى حقا ولا نغفل واجبا.