من ينتحر فداء لإيران؟!

TT

من محطة واشنطن تحرك القطار باتجاه ايران، وقد يأكل القطار في طريقه كثيرا من المتطوعين الجالسين على القضبان فداء لإيران، ويبدو ان أكبر العقبات في طريق هذا القطار هي سوريا وحزب الله وحماس وبعض المتحمسين لتخريب المشروع الامريكي في المنطقة.

لماذا التحرك تجاه ايران؟! وهل في نية القطار الامريكي «دهس» سوريا وحماس في الطريق، أم أن سوريا وحماس قد ينفذان بجلديهما اذا ما قررتا الابتعاد عن الخطر؟!

سوريا وحماس يقعان في رؤية استراتيجية مختلفة عن تلك التي تقع فيها ايران، فالسياسة الامريكية المعلنة هي ثلاثية الابعاد: حماية اسرائيل، وتأمين وصول بترول المنطقة الى الغرب والقضاء على الارهاب. وتختلف اجنحة المؤسسات الامريكية على ترتيب أولويات هذه السياسة، فبعضها يضع البترول قبل حماية اسرائيل، والبعض الآخر يضع البترول ثم الارهاب لتأتي اسرائيل في آخر الاولويات.

أين تقع كل من إيران وسوريا وحماس اذا ما كان تأمين البترول هو الأولوية؟!

في التصور الاستراتيجي البترولي يرى صانع القرار الامريكي ان معظم دول البترول إما دول صديقة للولايات المتحدة وإما دول تقع في محددات النفوذ الامريكي، ما عدا دولة واحدة وهي ايران التي تقع خارج هذا الاطار، متمردة عليه والبعض يراها مارقة، اذن ضم ايران الى قائمة الدول التي ستكون اما صديقة، أو حليفة أو واقعة تحت التأثير الامريكي المباشر، هي ضرورة استراتيجية، وخصوصا اذا ما علمنا ان النظام الحالي في ايران ينوي تملك أسلحة نووية، وربما لديه أوراق كثيرة، كما يرى المتحمسون له، قادرة على افساد المشروع الامريكي في المنطقة. أولى هذه الاوراق في الشأن البترولي، كما يرى اصدقاء نظام أحمدي نجاد، وربما ستكتب مئات المقالات، لتقول لنا «اينما وجد البترول في المنطقة، يوجد عملاء ايران!» وهذا تهديد واضح اساسه ان ايران قادرة على تنشيط هذه الخلايا النائمة وحضها على حرق آبار البترول؟! هل هذا صحيح؟! بالطبع ممكن ولكن ليس في كل الدول، وربما هو مجرد دعاية أو بروباجندا أكثر من كونه ورقة سياسية فعلية في يد ايران.

في هذه المعركة التي يكون البترول هو المفهوم الحاكم فيها لاستراتيجية التدخل، لا توجد سوريا أو حماس في هذا الموضوع فهما ليستا طرفا فيه بشكل موضوعي، ولكن يمكنهما توريط نفسيهما بالتطوع للانتحار نيابة عن ايران، أما التحليل العقلي فيقول بأنه لا ناقة لسوريا ولا جمل اذا ما كانت المواجهة بين ايران وامريكا مرتبطة بموضوع البترول.

بصورة أشمل يأتي موضوع الصراع العربي الاسرائيلي برمته والذي يشمل كلا من حماس وسوريا كاطراف في مرتبة ثانية لموضوع البترول، فيؤجل موضوع الحل القائم على قيام دولتين، ويؤجل موضوع التسوية بين سوريا واسرائيل، وموضوع العلاقات العربية الاسرائيلية برمته، اي ستضع امريكا موضوع السلام بما فيه موضوع حماس على الرف ولربما لمدة عام أو عامين، وما سنراه في هذا الملف لن تكون حركة في اتجاه تسوية الصراع أو الحل وانما سنرى «ادارة لهذا الصراع» تهدف الى تخفيف درجة حرارة العنف في المنطقة وتسمح لامريكا ومعها أوروبا هذه المرة لتنفيذ مخططها تجاه ايران.

«ايران هي القاسم المشترك لكل مشاكلنا في المنطقة» هكذا قال مسؤول أمريكي.

ففي موضوع البترول كما رأينا هي دولة مارقة، وخارجة عن بيت الطاعة الامريكي الاوروبي، كذلك هي خارجة عن سلوك دول المنطقة فيما يخص اسلحة الدمار الشامل.

حتى اذا ما جاءت اسرائيل قبل البترول في الرؤية الاستراتيجية الامريكية، تكون ايران عقبة ويكون نظام احمدي نجاد عنصر تخريب لا بد من ازالته، فأحمدي نجاد هو الذي قال بأنه سيمحو اسرائيل من على الخارطة، كذلك هو الذي شكك في موضوع المحرقة، واذا كان مصير صدام الذي اراد ان يحرق نصف اسرائيل هو ما نراه الآن، فما بالك بمصير من يريد أن يحرق اسرائيل كلها؟!

اذا ما تسيد موضوع أمن اسرائيل على أمن البترول من الرؤية الاستراتيجية الامريكية، فقط وفي هذه الحالة تكون سلة الدول والحركات المعادية مشتملة على ايران وسوريا وحماس وحزب الله، وظني ان الامر ليس كذلك، فأمن اسرائيل ليس بأهم من أمن البترول، فالسوق البترولية العالمية لا تحتمل ألاعيب احمدي نجاد، والاقتصاد العالمي قد يصاب بالكساد وحالما لعب نجاد ورقة البترول، وربما هي نفس الورقة التي تردع امريكا من التدخل وتجعلها مترددة في حسم موضوع تغيير النظام في طهران.

الحقيقة التي لا مراء فيها اليوم هي ان سوريا تراجعت من كونها في أولويات المشاكل في المنطقة الى المرتبة الثانية أو الثالثة بعد طهران وحزب الله.

اذن اذا ما فك النظام السوري ارتباطه بطهران وحزب الله، فلا شك لدي انه سينجو من الحملة الامريكية. وهنا أختلف مع الكثيرين في تقدير الموقف الامريكي السوري.

فهناك من يرى بأن امريكا تحاول فرض الديمقراطية على سوريا. وتغيير نظامها، هذا ليس صحيحا البتة، امريكا ترتاح الى الديكتاتوريات المستقرة، أكثر من ارتياحها تجاه ديمقراطيات مضطربة، أصل المشكلة في سوريا كما قال لي مسؤول أمريكي ليس كونها نظاما غير ديمقراطي، مشكلة سوريا الحقيقية هي انها «دكتاتورية بدون دكتاتور» امريكا كانت مستقرة تجاه سوريا عندما كانت دكتاتورية على رأسها دكتاتور، اما الآن فالوضع اختلف.

سوريا قادرة على ان تنجو بنفسها اذا ما نأت بنفسها عن قضبان القطار المتحرك تجاه طهران، اما اذا اصرت على أنها جزء من مشروع ايراني سوري يهدف الى احباط المشروع الامريكي تجاه البترول والعراق واسرائيل، مشروع تقوده سوريا وايران ضد امريكا فهذا يعني ان سوريا تعلن المواجهة مع امريكا، وربما المنافسة مع بعض الدول الاقليمية لقيادة المنطقة، في هذا السياق لا منقذ لسوريا من الورطة.

ظرف المواجهة الامريكية الايرانية يفتح نافذة امام نظام الرئيس الاسد للخروج من المأزق وربما ببعض المكاسب، كل المطلوب منه هو فك الارتباط بينه وبين ايران وحزب الله، وليس بالضرورة فك ارتباطه مع حماس، لأن الدور السوري في موضوع الصراع العربي الاسرائيلي دور مفهوم ومقبول حتى لو ارتبطت سوريا مع حماس أو حتى الجهاد الاسلامي، اما ارتباط سوريا مع ايران وحزب الله فهو أمر غير مبرر، فقط يفهم على انه يهدف الى المواجهة مع امريكا. هنا تكون سوريا ضحت بنفسها في سبيل ايران، فهل ستختار سوريا سيناريو الانقاذ؟! أم سيناريو الانتحار، هذا يعتمد على القرارات السورية وحدها ولا أحد غيرها.