إقالة لحود : مدخل وحيد للحل.. ومليون «فِلّ».. لكنه يبقى..!

TT

كلمة «فِلّ» في النحو تعني «ضرب الحديد»، لكنها بالعامية في لبنان، تعني «إذهب» أو «غادر». وفي هذه الأيام تمثل سياسياً، عنوان المرحلة التي تديرها قوى «14 آذار/مارس» أي دعوة الرئيس إميل لحود إلى مغادرة القصر الجمهوري.

طبعاً لن تكفي كلمة «فِلّ» لدفع لحود، الذي مُدِّد له بالإكراه بعد تمزيق الدستور اللبناني، إلى التنحي أو الاستقالة، وهو الذي يدأب دائماً على القول إنه باقٍ حتى آخر لحظة من ولايته.

وإذا كانت تظاهرة المليون لبناني التي خرجت إلى «ساحة الحرية» في وسط بيروت وسدت الشوارع المؤدية اليها، في 14 شباط/فبراير لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما، لم تدفع لحود إلى الاتعاظ والتنحي، فإن عريضة المليون توقيع التي بوشر بها في لبنان قبل أيام والتي تدعوه إلى أن «يفلّ»، حيث يقترن التوقيع برفع شعار «لبنان أولاً» الذي أطلقه النائب سعد الحريري، لن تنجح بدورها في حل الأزمة التي تعطل البلاد وتشل السلطة تقريباً، ما دام رئيس الجمهورية الذي يفترض أن يكون سقفاً وحامياً للدستور، قد تحول منذ زمن بعيد فريقاً ضد «14 آذار/مارس» وكل حركة التغيير.

منذ 14 شباط/فبراير باتت الأولوية عند القوى السياسية والشعبية في لبنان تتمثل في مسألة خلع لحود أو إقالته، أو دفعه إلى التنحي طوعاً، لكنه متشبث بالبقاء في شكل مثير للغاية، فبعدما كان يراهن في الماضي على أن البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، وهو أعلى مرجعية روحية في الطائفة المارونية، لم يتخذ موقفاً صريحاً من مسألة استقالته، وهذا غير صحيح، باعتبار أن صفير كان دائماً يحضه ضمناً على الاستقالة، بعد كل هذا رفض لحود منذ أيام أن يستجيب دعوة صريحة أطلقها صفير بهذا الصدد.

في عظة عيد الميلاد قال صفير على مسمع لحود، إن عليه أن يتخذ القرار الذي يحمي المنصب الرئاسي. كان هذا بمثابة دعوة سافرة إلى الاستقالة وخصوصاً بعد العزلة الخانقة التي جعلت من القصر الجمهوري في بعبدا «شرنقة منسية» لا يزورها إلاّ اثنين أو ثلاثة من سياسيي الصف الرابع أو الخامس، وهم من أصدقاء لحود، في حين تتّسع من حوله المقاطعة السياسية والحكومية حيث رفض معظم الوزراء هذا الأسبوع الصعود إلى بعبدا لعقد جلستهم الأسبوعية، بينما يحرص السفراء الأجانب وحتى العرب على عدم زيارته!

قبل أيام قال صفير صراحة وللمرة الأولى إنه يؤيد خلع لحود أو إقالته ولكن بالوسائل القانونية أو السياسية، وبعيداً عن الشارع، خوفاً من صدامات قد تفتعلها عناصر تخريبية. شكّل هذا الكلام مفترقًا حاسماً في هذه المسألة، لكن لحود أكد تمسكه بالمنصب وهو ما وسّع إطار الدعوة إلى جعل إقالته عنواناً أساسياً يتقدم على كل ما عداه في هذه المرحلة.

عملياً يشكّل «الإكراه» لافتة أساسية ترسمها المواقف والتطورات الأخيرة على المستويين السياسي والشعبي. فإذا كانت كلمة «فِلّ» تهدف لدفعه إلى المغادرة تحت ضغط «الشارع المنظّم» في «خيمة الحرية» في وسط العاصمة بيروت، بالقرب من ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإن قوى «14 آذار» (مارس) تنشط على محور آخر، هو محور العرائض النيابية، حيث وقّع عدد من النواب على «عريضة الإكراه» التي تؤكد أن هؤلاء تعرّضوا لضغوط وتهديدات سورية لا طاقة لهم عليها، أجبرتهم على قبول تعديل الدستور والتمديد للحود، وهو ما يفترض أن يجعل من هذا التمديد لاغياً. كما أن هناك عريضة نيابية أخرى ترتكز إلى مبدأ الإكراه وتضم تواقيع غالبية النواب، [لا تصل إلى أكثرية الثلثين اللازمة دستورياً لإقالة الرئيس]، وتُرفع إلى الرئيس في إطار مزيد من الضغوط المعنوية والسياسية لخلع الرئيس.

غير أن إقالة لحود لم تعد هماً لبنانياً فحسب، بل أصبحت هماً عربياً وحتى دولياً إذا جاز التعبير، فقد أعلنت كوندوليزا رايس التي زارت بيروت قبل أيام بعد محادثات أجرتها في القاهرة ثم في الرياض، أنها تنتظر تحركاً عربياً [مصرياً ـ سعودياً] في اتجاه دمشق لإقناع الرئيس بشار الأسد بالتخلي عن دعم لحود بما يسهّل انتخاب رئيس جديد للبنان.

وإذا كان البعض في بيروت قد سارع إلى القول، إن كلام رايس عينه كافياً لتأكيد الإكراه الحاصل أصلاً في التمديد، فإن الحديث عن «مبادرة عربية»، وقد تكرر كثيراً في خلال الشهرين الماضيين، يكون الآن قد اتخذ بعداً جديداً من حيث إعطاء هذه المبادرة مدخلاً ملائماً للوصول إلى تسوية، تنسحب على الوضع الداخلي في لبنان وعلى العلاقات اللبنانية ـ السورية.

وعندما تساعد سوريا في إقناع لحود بالرحيل، [إذا ساعدت]، وهي التي فرضته وتتمسك به، يمكن الانطلاق في اتجاهين: أولاً البدء بترتيب الوضع الداخلي الذي يعطله بقاء لحود في «دائرة الفيتو» داخل قصر بعبدا، وثانياً البدء بإيجاد صيغ ملائمة لإرساء العلاقات اللبنانية ـ السورية على قاعدة من المساواة والندية، وفي إطار من الاحترام المتبادل والحرص على مصلحة البلدين الشقيقين.