أطوار بهجت: بطلتي

TT

لم يسعفني الحظ يوما للالتقاء بأطوار بهجت، ولو حدث ذلك لأخبرتها أنها بطلتي.

لكن قتلها المريع في الأسبوع الماضي سلبني حظوة اللقاء بها، لذلك سأشارككم إعجابي بها. وكواحدة من المراسلات العربيات اللواتي يغطين الحرب كانت بطلتي، ففي وقت كان معظم القصص التي يكتبها صحافيو التلفزيونات من داخل فنادقهم، كانت أطوار مصممة على نقل الحقيقة، لما كان يحدث في بلدها، من الشوارع نفسها، ومن بين أبناء بلدها وهذا سبب آخر يجعلها بطلتي.

كانت أطوار ومصورها خالد محمود الفلاحي ومهندس الصوت عدنان خير الله بحاجة إلى شجاعة خارقة، كي ينقلوا التقارير من ضواحي سامراء، وهم يعرفون كم هي مشاعر العداء والغضب، التي تملأ الشوارع بعد تفجير الضريح الذهبي.

بعثت تعازي العميقة لأسر الصحافيين الثلاثة، إضافة لـ«العربية» التي كانت أطوار تعد تقريرها لها، وللجزيرة حيث كانت تعمل حتى أوائل هذا العام. وكلا المحطتين معتادتان على فقدان صحافيين، بسبب العنف داخل العراق. لكن «العربية» في وضع لا يحسد عليه، إذ فقدت أكثر من ثمانية صحافيين قتلوا في العراق، منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، والبعض منهم قتلوا على يد القوات الأميركية، بينما آخرون قتلوا على من يشتبه فيهم بأنهم ناشطون مسلحون.

كان اختطاف وقتل أطوار وفريق العمل المرافق معها، من أجل إغلاق أعيننا وعقولنا عن طريق إسكات الإعلام. إنه أمر لا يدعو للدهشة، حينما نتطلع إلى الاحصائيات التي قدمتها لجنة حماية الصحافيين وتضمنت مقتل 64 صحافيا و23 عاملا إعلاميا في العراق، منذ مارس 2003، وهذا ما يجعله أكثر النزاعات دموية بالنسبة للإعلام في التاريخ المعاصر.

ومثلما هو الحال مع الأرقام التي يقدمها العراقيون عن الضحايا في الحرب، وما أعقبها من أعمال عنف، كذلك هي الحال مع الصحافيين، فإضافة إلى الصحافية الأميركية جيل كارول، هناك صحافيان عراقيان هما ريم زايد ومروان غزال من محطة التلفزيون العراقية ساماريا، وهذان اختطفا في بغداد يوم 1 فبراير.

يمثل القتل الشنيع لأطوار وزميليها اقترانا بشعا ما بين التحفيز على صمت الإعلام والتمزق الطائفي الذي يهز العراق حاليا.

هل كان قتلتها يعرفون أن أطوار هي ابنة أب سني وأم شيعية؟ وإذا كانوا يعرفون، فإن ذلك يعني أنهم يقتلون ذلك التعايش الوحيد الذي سينقذ العراق. وإذا لم يكونوا يعلمون فإنهم آنذاك كانوا يشربون من بئر الطائفية القذر، الذي آزر العنف المتطرف ضد الشيعة في العراق، والذي آل إلى تفجير الضريح الذهبي.

وحتى بعد تفجير المرقد، كان الشيعة قد أظهروا ضبطا للنفس هائلا في رفض الانجرار الى العنف، وعلى الرغم من ذبح العشرات وهم يصلون أو يشاركون في المناسبات الدينية، أو ينتظرون العمل أو يمارسون التعليم في المدارس، فإنهم لم يقوموا بعد هذه المذابح بأعمال انتقام.

وأدرك شيعة العراق اخيرا انهم حققوا الفوز في العراق، وأن مكانتهم كأغلبية في البلد قد تأسست، وان جرهم الى مثل هذه الدائرة من الانتقام ليست مدمرة ذاتيا فحسب، وانما غير ضرورية، على الرغم من أحزان دفن العشرات من الأحباء الذين حصدت ارواحهم العمليات الارهابية الانتحارية وتفجير السيارات المفخخة.

ويجب ألا يغير تفجير الضريح الذهبي ذلك، مثلما يجب أن تدرك الميليشيات الشيعية، التي يبدو أنها المشتبه الأساسي في اختطاف وقتل اطوار وفريقها، الخطر الذي تشكله ليس للعراق فحسب، حيث تبذل محاولات لايجاد مناخ للتسوية الوطنية، أو للسنة العراقيين الذين فقدوا 200 شخص في اعمال قتل انتقامية، بعد تفجير الضريح الذهبي، وانما أساسا للشيعة العراقيين انفسهم. واذا ما تركت تلك الميليشيات من دون رقابة فانها ستقود شيعة العراق الى فخ العنف الذي يرغب الارهابيون في ايقاعهم فيه.

ويجب أن يقال الشيء ذاته عن سنة العراق، الذين يجب أن يدركوا الخطر الموجه اليهم من جانب الأقلية التي تحمل البنادق بينهم، والتي تواصل الاغتيال والقتل من دون تمييز.

أية مأساة أن يرى المرء مسلمين يقتلون المسلمين، بينما نحاول اقناع العالم بأنه يجب ان يفصل العنف عن صورته عن الاسلام. وكم هو أكثر اثارة للأسى أن نرى المظاهرات الحاشدة ما تزال تسير في شوارع المسلمين لادانة الرسوم المهينة التي نشرت في الدنمارك قبل ستة أشهر، ولكنهم يبقون صامتين حول تدمير الأماكن الشيعية المقدسة. ان الارهابيين بين السنة أو الشيعة في العراق لن يدمروا بلدهم فحسب وانما سيوجهون بنادقهم، في خاتمة المطاف، ضد أبناء طوائفهم. فقوة البندقية ستمكث على الدوام طويلا بعد الترحيب بها ما لم يجر تحديها مبكرا.

كانت أطوار بهجت بطلة تحدت الكثير من القوى. ويحتاج بلدها الى الكثير من أمثالها، اذا ما أراد أن يقف بوجه القتلة الذين انتزعوا حياتها. ومن اجل تشجيع مثل هؤلاء الأبطال يجب الاحتفاء بانجازات أطوار.

ويجب تحفيز قناة «العربية» والمؤسسات العاملة في العالم العربي ومعاهد الصحافة في المنطقة على برنامج بعثات دراسية على شرفها، يمكن أن يمول تعليم الصحافيات في العراق وكذلك في العالم العربي. يجب ان نبقي أبطالنا أحياء في ذاكرتنا الجمعية، لكي يتمكنوا من الاستمرار في الهامنا للتقدم الى الأمام.

[email protected]