مستقبل العلاقات بين الصين وأميركا

TT

من المفارقة ان الأزمة التي تعرضت لها العلاقات الاميركية ـ الصينية الناجمة عن اصطدام الطائرتين، تزامنت مع انضمام اول لاعب كرة سلة صيني للرابطة القومية لكرة السلة الاميركية (NBA). فقد انضم وانغ زيزي، نجم فريق الجيش الصيني للكرة السلة، الذي يبلغ طوله 7 اقدام وبوصة واحدة، الى فريق «ميفركس» بمدينة دالاس، في نفس الاسبوع الذي فقد فيه وانغ واي، الطيار بالجيش الصيني، حياته في حادثة الاصطدام بطائرة الاستطلاع الاميركية EP-3E فوق السواحل الصينية، وفي الوقت الذي كانت زوجة وانغ واي تعرب فيه عن غضبها تجاه اميركا، كان وانغ زيزي يعرب عن سعادته «اشعر بالسعادة لانني استطيع الآن ان ألعب في NBA».

وعندما سألت ديفيد ستيرن، المفوض بـNBA عن وجود علاقة بين انضمام وانغ زيزي للرابطة وحادثة الطائرتين، تأمل في الامر لحظة ثم قال «فلنقل ان كرة السلة الصينية لا تعرف شيئا اسمه الدفاع غير القانوني. اما الرابطة فلديها قوانين صارمة ضد الدفاع غير القانوني. ما رأيك؟» الواقع ان هذا مثال جيد جدا. فالعام المشترك بين الامرين هو مطالبة الصين في الحالتين بالتكيف مع قواعد جديدة للمنافسة صيغت بالخارج. فكما يروض وانغ زيزي نفسه على اللعب مع الروابط الكبرى لكرة السلة، يروض القادة الصينيون انفسهم للعب مع الروابط الكبرى في مجال السياسة الدولية. المهمتان صعبتان. ومع انني اعرف ان كرة السلة ليست هي السياسة الدولية، الا انها اذا حلت محلها فان ذلك سيحل بعض القضايا. فقد ذكر استيرن ان احد الاستطلاعات ابرز ان 25% من الشباب الصينيين يملكون قطعة ملابس واحدة على الاقل عليها شعار NBA، وتعرض مباريات NBA على 10 قنوات صينية. والواقع ان 300 مليون صيني شاهدوا مباراة زانغ زيزي الاولى مع فريق «ميفركس» التي نقلها التلفزيون الصيني نقلا حيا.

وتمر الصين بمرحلتين انتقاليتين في نفس الوقت. فهي من جانب تشترك في التجارة العالمية بصورة لا سابق لها بنيل عضوية منظمة التجارة الدولية. فمنظمة التجارة الدولية هي الرابطة القومية لكرة السلة، ولكن في مجال الاقتصاد والتجارة، والانضمام للمنظمة يعني شيئا واحدا: اقتصادك امام التجارة والاستثمار الاجنبيين، ولكن في اطار قوانين صارمة صاغها الاجانب، تحرم القرارات الاعتباطية وابتزاز المستثمرين ومحاباة الشركات الصينية التي كان يمارسها البيروقراطيون الشيوعيون.

وفي نفس الوقت تجتاز الصين مرحلة التحول المؤلمة الى دولة عظمى. وتشهد كل سنة جديدة تحديثا لاقتصادها وجيشها يجعلها لاعبة مهمة في المجال الدولي. وتريد الصين اعترافا بوصفها هذا، وتستحقه ايضا. ولكن جزءا من وضعية الدولة العظمى، في هذا المنعطف التاريخي، يعني تحمل مسؤولية النظام الدولي القائم، وهذا يعني حل النزاعات عن طريق القانون وليس القوة.

ويرى مايكل ماندلبوم، خبير السياسة الخارجية بجامعة جون هوبكنز، ان العالم الذي نريد ظهوره اليوم ليس بعالم تسيطر عليه قوة او قوتان او ثلاث قوى متنافسة وانما عالم تحكمه قواعد. ويضيف ماندلبوم ان هذا ما حدث بالفعل في عالم الاقتصاد، فيما يأمل الكثيرون ان تعكس الشؤون الامنية ذلك. ولا تهدف الفكرة الى انهاء التنافس وانما تنظيمه، اذ يأمل ماندلبوم في ظهور عالم تعتذر دوله عندما تخطئ بدلا من عالم تكره دوله على الاعتذار حتى عندما لا تكون مخطئة.

ما يمكن قوله هنا هو ان ما حدث اخيرا بين واشنطن وبكين له انعكاساته على العلاقات الاميركية ـ الصينية وعلى الطريقة التي يفهم بها الآخرون الصين في عالم اليوم، كما ان ما حدث له اهميته في ما يتعلق بالتوازن داخل الصين بين الذين يريدون الاحتكام للقواعد الدولية وبين اولئك الذين يريدون تقليص هذه القواعد.