الجارة المتعبة جدا

TT

الجار التركي متعب. شديد التعب. وكلما كبرت الدول كبرت همومها ومشاكلها. وكذلك كبر حجم تظاهراتها: سبعون الفاً نزلوا الى الشوارع يهتفون «استقل. استقل». لكن بولند اجاويد يرفض الاستقالة حتى الآن. الى متى؟ في امكان السياسيين ان يصمدوا طويلاً عندما تكون المشكلة سياسية: رأي ورأي آخر. موقف وموقف آخر. ولكن عندما تكون المشكلة اقتصادية وفي هذا الحجم، لا تعود الاحزاب ولا الآراء ولا المواقف حلاً. ولا حتى السيرة الذاتية وماضي اجاويد السياسي. فالمسألة الآن هي الليرة التي تفجرت في الهواء بعد سنوات من المرض. وهي التضخم. وهي العجز الذي لم يعد ينفع معه مجيء وزير الاقتصاد الجديد كمال درويش من البنك الدولي. فتركيا في حاجة الى اكثر من وزير خبير. انها في حاجة الى اعادة تركيب اقتصادي كامل وقرارات جراحية وعلاج طويل المدى.

الذين كانوا يهتفون ضد اجاويد في شوارع انقرة لم يكونوا فقط من العمال والنقابات، بل كانوا ايضاً من صغار التجار ورجال الاعمال. والتظاهرات لا تتوقف ضد أجاويد منذ ايام. وكذلك الاشتباكات. ومظاهر العنف تعطي صورة مقلقة عن تركيا التي تقاتل مرة في شمال العراق، ومرة في جنوب غرب البلاد، ومرة في اضطرابات مريعة داخل السجون التي اصبحت مواضيع افلام غربية كثيرة، ومريعة هي ايضاً. وها هي الآن تقاتل المتظاهرين في مرسين (50 الفا) وفي ازمير (40 الفا) وفي كونيا حيث هاجم المتظاهرون مكاتب حزب العمل الوطني ودمروها.

وقد اشعل كل هذه الحركة بائع ازهار الاسبوع الماضي عندما حمل كمية من الورد ورماها على اقدام رئيس الوزراء: هاك. تدبر الامر، فقد اصيب البائع بالجنون عندما اكتشف ان قرضه من البنك الذي كان 6 آلاف دولار اصبح في حجم «الامباير ستايت». فقد ارتفع الدولار بنسبة 88% منذ التخلي عن سعر الصرف الرسمي في 22 فبراير (شباط) الماضي. غير ان المطالبة باستقالة اجاويد لم تبق في الشارع وحده. فقد اعلن رئيس غرفة التجارة في اسطنبول ان «المشكلة هي رئيس الوزراء وعليه ان يذهب».

لكن اجاويد يرفض الذهاب. انه يقول ان الاسلاميين هم الذين يقفون خلف التظاهرات والمطالبة بالاستقالة: «واذا كان لديهم بديل افضل فليتقدموا به». وفي غضون ذلك يراقب الجيش الوضع كالعادة من خلف الستار. والبرلمان المؤلف من 550 نائباً منقسم حول الحكومة وحول الوضع. ووزير الاقتصاد الجديد يقول انه لم يأت ليرضي احداً. لقد جاء لانقاذ الوضع الاقتصادي وهذا ما سيفعله «اما انا واما هم». والسوابق في تركيا تدل دائماً على ان «هم» كانوا ينتصرون في غالب الاحيان. ولم يأت درويش من البنك الدولي الا بعد ان بلغت ديون تركيا العامة الحد الذي لا يطاق. وربما لا يسدد. والجارة التركية متعبة. لكنها معتادة على الازمات والاستقالات والحكومات المتعاقبة وتهم الفساد. غير ان الازمة الحالية تذكر باواخر الخمسينات حيث أدت الأوضاع المالية ببعض السياسيين الى الاعدام.