كلنا أبو الهنا

TT

تقوم هذه الأيام قناة الامارات باعادة بث حلقات المسلسل الكوميدي السوري «ابو الهنا» من بطولة دريد لحام واخراج هشام شربتجي. وأعترف انني واحد من الناس الكثيرين الذين لم يستوعبوا المسلسل ولم يستمتعوا به عند عرضه للمرة الأولى، لكنني عندما شاهدته للمرة الثانية اكتشفت بأنه واحد من أجمل الأعمال الكوميدية العربية التي شاهدتها في الحقبة الأخيرة.

ابو الهنا البسيط، الخجول، الطيب، المكسور، هو كل واحد منا.. وأبو الهنا المقموع، السلبي، الهادئ، رغم كل ما يجري له على يد الآخرين، هو كل مواطن عربي.

لقد ابتكر دريد لحام مشية خاصة توحي بأنه رجل مبرمج او رجل آلي، كما ابتكر طريقة خاصة في الحديث، يغلب عليها الخوف والتردد والمبالغة في اظهار الأدب والتودد اتقاء لشر الآخرين.. أما شعوره بالسخط الذي كان يتحايل عليه بالمبالغة في الهدوء، والذي كان يفتضح امره من خلال حركاته العصبية، فقد كان بالفعل تجسيداً ناجحاً لحالة الفوبيا التي يعيشها المواطن العربي.

«ابو الهنا» كنص حاول ان يشرح لنا اسباب الخوف الهستيري الذي يعيشه المواطن العربي على مدار الأربع والعشرين ساعة يومياً.. فالمواطن العربي خائف من انقطاع لقمة العيش، وخائف من السلطة، وخائف من الغيب، وخائف من طبيعة العلاقات الانسانية التي تتخذ شكل صراع لا ينتهي في مجتمع لم يعد يؤمن إلاّ بالقوة.. وهو ما يحاول هشام شربتجي ان يقوله عبر جميع اعماله الكوميدية، لكن يبقى «ابو الهنا» شيئاً مختلفاً.. فدريد لحام لا يكتفي بأداء الشخصية كما هي مكتوبة عى الورق، بل انه ينفذ الى عمق النص ويتوحد مع الروح التي انبعث منها، ثم يؤدي اداء خلاّقاً يمنح العمل زخماً تعبيرياً لا غنى عنه لايصال الرسالة بالكامل الى المشاهد.

أعترف أنني لم أفهم «ابو الهنا» منذ المرة الأولى، ربما لأنني لم اكن اعرف حتى وقت قريب أنني انا ايضاً «ابو الهنا».