أبو مازن: الاستقالة غير المطلوبة

TT

يصح القول إن الرئيس محمود عباس سياسي نجيب من مدرسة البراغماتيا التي تشكلت تاريخاً داخل الرحم الفتحاوي في الساحة الفلسطينية، بالرغم من التيارات والمشارب التي تعج بحضورها داخل جسم حركة فتح وعموم الفصائل الفلسطينية من أقصاها الى أقصاها.

فقد نجح محمود عباس بدرجة ما في تحقيق توازن المعادلة الفلسطينية الداخلية وضبط ايقاعها عند حدود ما تم في انتخابات المجلس التشريعي، مغلقاً الطريق على محاولات الأجهزة ومراهنات الأمنية والعسكرية الاسرائيلية التي أرادت تخريب العملية الديمقراطية الفلسطينية في منطقة القدس، وزرع بذور التطاحن الداخلي في الساحة الفلسطينية.

فقد حرص أبومازن، على اقامة علاقات متوازنة مع جميع القوى والفصائل الفلسطينية، ووضع حركة حماس في حساباته كمشروع حيوي لشراكة سياسية. وتوصل وبجهد مصري، الى تحقيق معادلته الصعبة مع حركة حماس أولاً، ومع باقي القوى الفلسطينية ثانياً وفق قاعدة «صندوق اقتراع ... ومشاركة ائتلافية».

في هذا السياق، من الظلم والإجحاف الكبير أن نشهد توابع سلبية للانعطاف الديمقراطي الفلسطيني، بدلاً من احداث الانعطاف المقابل لدى الأخوة في حركة حماس، حيث أصبحت حماس معنية قبل غيرها لمد يد وذراع المساعدة لـ أبومازن في ساحة دولية حبلى بـ «المفاجآت والارهاصات السلبية والايجابية» على الحالة الفلسطينية، خصوصاً مع استمرار اللغة الملتبسة من قبل بعض المواقع القيادية في حماس مقابل بعض الأصوات العاقلة التي تنطلق من حسابات نسب القوى المحلية والإقليمية وتأثيراتها.

حماس بحاجة ماسة الآن قبل الغد، لتظهير برنامجها الميداني للمرحلة القادمة على قاعدة الشراكة مع أوسع طيف سياسي فلسطيني من موزاييك الخارطة الفلسطينية، خصوصاً مع حركة فتح، ومع قيادة الرئيس محمود عباس الذي يحظى بمكانة ومصداقية وسمعة دولية ايجابية. وعليه فان افشال الرئيس عباس يعني تلقائياً حدوث الفشل الكامل لحماس في تصدر موقع القرار الفلسطيني، ووصول الأمور الى الفضاء المغلق أمام الحركة السياسية الفلسطينية في مختلف مواقع القرار الدولية المؤثرة. ومن هنا يمكن القول إن تهديدات الرئيس عباس بالاستقالة تحمل شيئاً من الجدية في حال تضارب البرامج والخيارات السياسية بينه كرئيس وبين حماس المتزعمة للوزارة الفلسطينية القادمة وللمجلس التشريعي، فيما يواصل أبومازن تعزيز تقاطعه السياسي والتكتيكي المشترك مع حماس، وترحيبه بالاشارات القوية التي صدرت عنها نحو مزيد من الواقعية السياسية، معتبرا ذلك واحدا من انجازاته الجوهرية، التي تستحق البناء عليها للمستقبل. وذهبت بعض التقديرات السلبية للقول إن حماس سوف تواصل تقدمها، وكل هذه التقديرات كانت تقابل من جانب أبومازن، بقدر كبير من التفهم.

وبكل وضوح وشفافية، فحماس الآن وهي في موقع القيادة المسؤولة، بعد أن جلست طويلاً على مقاعد المعارضة دون أن تحترق أصابعها بنيران السلطة وباستحقاقاتها ومثالبها، عليها أن تدرك حجم الأثقال الكبيرة التي ترهق كاهل الرئيس عباس، وعليه فان الطريق الأجدى أمامها يكون بالتعاون المشترك، والحذر من ايصال الأمور الى درجة الافتراق السياسي أو استقالة الرئيس عباس، فوجوده ضمانة جيدة لحركة حماس على استمرار الخط الديمقراطي الفلسطيني الذي كرسته الانعطافة الكبرى يوم 25/1/2006 والنزول الفتحاوي عند مبدأ التداول السلمي لمواقع القرار. وانطلاقاً من هذا المعطى، فان حماس مطالبة بضرورة آخذ الوقائع بعين الاعتبار، والا فان مصير حركة العمل السياسي الفلسطيني، بما فيها حركة حماس ستكون مغلقةً، وستصطدم بالجدار الدولي.

حركة حماس وما تمثله من الاسلام السياسي في فلسطين، أمام تجربة هي الأولى في الحالة العربية بشكل عام، ويتوقف على حركته وامكانية عبوره طريق النجاح النسبي مآلات حركة الاسلام السياسي المعتدل في المنطقة العربية بأسرها لسنوات قادمة، وفي هذا المقام فان المزج النسبي والمزاوجة بين الأيديولوجي والسياسي ضرورة لا غنى عنها أمام امتحان النجاح لحركة حماس في الساحة الفلسطينية. ويوفر لها سبل النجاح في اطار قاعدة «اللعبة الديمقراطية» التي توافق عليها الفلسطينيون.

* كاتب فلسطيني (دمشق)