خطاب المؤتمر العشرين

TT

مضت خمسون عاماً على اشهر خطاب في تاريخ الشيوعية الدولية: الكلمة التي القاها نيكيتا خروشوف امام المؤتمر العشرين للحزب في فبراير (شباط) 1956 وتحدث فيها عن المجازر والفظاعات والجرائم التي ارتكبها سلفه جوزيف ستالين. وقد ذهل الرفاق وهم يصغون الى الفلاح الأوكراني يهدم تمثال الديكتاتور المرعب. وعندما تسرب الخطاب الى الغرب، ذهل الغرب.

بعض المؤرخين يعيدون بداية انهيار الاتحاد السوفياتي الى ذلك الخطاب التاريخي. والبعض يقول ان الانهيار بدأ وانتهى مع ميخائيل غورباتشوف. واعتقد، متواضعاً، ان الذي قتل الشيوعية هو ستالين. لقد جرَّد الاشتراكية من جوهرها الانساني، وسلَّم المخيلّة الى المخابرات، وألغى الفرد تحت وطأة الابادة والتعذيب والنفي الجماعي. ليس في امكان العقول المتحجرة ولا القلوب المتحجرة ان تحلم بشيء سوى الشر ولا ان تعطي اهمية لشيء سوى الالغاء. لقد نجح ستالين في الغاء الجميع وكل شيء، وعوّد العقل الشيوعي على العبودية والاستسلام وتمجيد الحاكم. ولذلك نجحت الاشتراكية في ظل الديمقراطية، كما في كندا وفرنسا وبريطانيا ودول اسكندنافيا، واخفقت في ظل التجربة الستالينية ودول الديكتاتورية والحديد في اوروبا الشرقية، حيث وصل الى السلطة رجال مجردون من المخيلة والثقافة والمعرفة، وكانت كفاءتهم الوحيدة الخنوع المطلق لقرار موسكو، التي كانت خاضعة بدورها لمزاج رجل واحد، اصيبت زوجته بالجنون جراء معاملته لها.

من غرائب الصدف ان ابنة ستالين انتهت لاجئة في اميركا، حيث فجعها اسلوب الحياة الغربية الذي كانت تحلم به ذات يوم. وابنة خروشوف هاجرت الى الولايات المتحدة مع زوجها، اليكسي أدجوبي، الذي جعله والدها رئيس تحرير «البرافدا»، وكان شبه ناطق باسمه ايام الحكم. وتقوم حفيدة خروشوف بالتدريس الآن في احدى الجامعات الاميركية.

نصف قرن غاب خلاله عالم وولد عالم آخر. ذهب فلاديمير بوتين ضابط مخابرات الى المانيا الشرقية لكي يتشدد في حراسة النظام الشيوعي، وعاد الى موسكو زعيماً للكرملين الرأسمالي. وكان جدّه قد عمل طباخاً عند ستالين في لينينغراد ايام حصار المدينة المريع خلال الحرب العالمية الثانية. لقد سقط عشرات الملايين في سبيل الحزب الشيوعي الذي لم يعد موجوداً الا في الكتب، حتى في الصين. ولم يعد وجود لرجال مثل بول بوت وانور خوجا وبيريا، الا في افلام الرعب واساطير الجنون الفردي الذي لا يحده شيء سوى الموت. وكان خروشوف قد تزعم «مؤامرة» لاعتقال «بيريا» خلال اجتماع للمكتب السياسي، لأنه كان يخشى ألا يجرؤ احد على تنفيذ الامر باعتقاله. ويشكو الآن بعض الغرب من ان بوتين يحكم موسكو بقبضة شبيهة بحديد الامس. لكن لا شيء يشبه المعتقلات الجماعية ومنافي سيبيريا التي لا عودة منها، واقبية التعذيب. لقد هدم خروشوف قبل 50 عاماً الحجر الاول في اكبر سجن مفتوح في التاريخ، بعد صين ماو.