إسرائيل تتطرف.. وحماس تتلقى التهم

TT

تعالوا نلقي نظرة على الطريقة التي تفكر بها الأطياف السياسية داخل دولة إسرائيل، لنكتشف بوضوح كيف أن الهجوم على حركة حماس أصبح وسيلة من وسائل تجاهل الحديث عن تطرف إسرائيل.

الجنرال موفاز وزير الدفاع أعلن أن إسرائيل تريد أن تضم إليها ستة تجمعات استيطانية في الضفة الغربية، مع «شريط» على امتداد نهر الأردن. وكلمة «شريط» هنا مهمة جدا، لأن عرض «الشريط» هذا 20 كيلومترا وطوله كذلك، فتصبح مساحة المنطقة المنوي ضمها لإسرائيل، في غور الأردن فقط، موازية لمساحة قطاع غزة.

يوسي بيلين رئيس حزب ميرتس اليساري العلماني، والموقع الأساسي على «اتفاق جنيف» مع ياسر عبد ربه، والموصوف بأنه رجل الاعتدال الأول في إسرائيل، أعلن في برنامج حزبه الانتخابي قبل أيام، أنه يريد ضم القدس الموحدة إلى إسرائيل، تماما كما يطالب بذلك أكثر الأحزاب تطرفا في الدولة. قال إنه يريد القدس ككيان بلدي واحد، يحوي كيانين سياسيين إسرائيلي وفلسطيني، وهو ما يعني الإبقاء على احتلال القدس الشرقية وضم أراضيها إلى إسرائيل، وتفاصيل الخطة (التي رفضها عرفات في مفاوضات كامب ديفيد 2000) مواصلة سيطرة الاحتلال على الأحياء اليهودية، أما الأحياء العربية فيتم فيها الفصل بين السيادة والمسؤوليات المدنية، بحيث تخضع السيادة للاحتلال الإسرائيلي بينما تخضع المسؤوليات المدنية للفلسطينيين، وربما لنظام انتداب دولي.

الراب عوفاديا يوسف الموجه الروحي لحزب شاس اليميني، دعا أنصاره في مهرجان انتخابي إلى التصويت للحزب «من أجل الذهاب إلى الجنة». وروى للحضور قصة الرجل (اليهودي) البسيط الذي لم يفعل شيئا، والذي يصعد إلى السماء وهو يخشى المصير الذي سيواجهه، وعندها يأتي إليه ملاك أبيض ويبلغه بأنه سيدخل الجنة لأنه بنى كنيسا، وعندما يقول له الرجل إنه لم يفعل ذلك، يسأله الملاك الأبيض «ماذا فعلت في الثامن والعشرين من آذار؟»، وعندها سيقول له «صوت لشاس»، وسيقول له الملاك الأبيض إنه «صوت لمن سيبني الكنيس، ومن هنا فإن مكانه الجنة».

هذا ما يقوله العسكريون والعلمانيون والمتدينون في إسرائيل، فهل يوجد بينهم اي خلاف في المضمون؟

في المقابل... قالت حركة حماس منذ أن نجحت في الانتخابات التشريعية، كلاما أهدأ من هذا بكثير. قالت إنها تريد دولة فلسطينية عاصمتها القدس (المحتلة)، وقالت إنها مستعدة لدمج جناحها العسكري في جيش فلسطيني موحد، وقالت إنها تؤيد هدنة لمدة طويلة إذا اعترفت إسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية.

وبالرغم مما بين هذين الموقفين من تمايز. بالرغم من قساوة الموقف الإسرائيلي (الاستيلاء والضم)، ومنطقية موقف حماس، انصبت اللعنات الإسرائيلية والدولية عليها، ولم تتم الإشارة بكلمة واحدة إلى موقف إسرائيل.

إسرائيل تقول علنا على لسان وزير دفاعها إنها تريد ضم سبع مناطق داخل الضفة الغربية إلى إسرائيل، بينما تدق مطارق العالم على رأس حركة حماس تدعوها للاعتراف بإسرائيل. وحين تسأل حماس اي إسرائيل تريدون الاعتراف بها؟ فإن أحدا لا يتبرع بتقديم جواب.

هل تريدون الاعتراف بإسرائيل التي ستضم سبع مناطق من الضفة الغربية (ما يوازي ثلثي الضفة الغربية) إليها؟

هل تريدون الاعتراف بإسرائيل في حدود العام 1967، أم إسرائيل أكبر وأوسع وتحتل أراضي بالقوة، خلافا للقرار 242 الذي يؤكد عدم جواز احتلال أراض بالقوة؟

هل تريدون الاعتراف بإسرائيل في حدود قرار التقسيم عام 1947، أم في الحدود التي تجاوزتها في حرب العام 1948 إلى ما يوازي ضعف تلك المساحة؟

هل تريدون الاعتراف بإسرائيل في حدود الهدنة الموقعة بينها وبين الدول العربية عام 1949، أم في حدود (المناطق المحايدة) التي ضمتها إليها بعد حرب 1967؟

هل تريدون الاعتراف بإسرائيل في حدودها كدولة، أم في حدودها التي تحتل الجولان السوري وشبعا اللبنانية؟

كل هذه الأسئلة لا أحد يريد أن يجيب عليها، لا من داخل إسرائيل، ولا من داخل اوروبا، ولا من داخل الولايات المتحدة الأميركية. إنهم فقط يرفعون الشعار، ويدقون به على الرؤوس، ويتجاهلون كل ما تعلنه إسرائيل عن سعي للاستيلاء على الأرض الفلسطينية والعربية. وتكون النتيجة أنهم جميعا يؤيدون العدوانية الإسرائيلية، ويرفضون شعارات حركة حماس المنطقية، متمترسين وراء تلك الكلمة السحرية «الاعتراف بإسرائيل».

وهناك الوجه الآخر للمسألة الذي تمثله السلطة الفلسطينية. لقد اعترفت السلطة الفلسطينية بدولة إسرائيل رسميا، وعقدت معها اتفاق اوسلو واحد (غزة)، واتفاق اوسلو 2 (الضفة الغربية)، وأعلن رئيسها محمود عباس أنه ضد عسكرة الانتفاضة، فماذا نال مقابل كل ذلك؟ لقد نال التجاهل من قبل آرييل شارون، ونال الرفض الإسرائيلي لتنفيذ تفاهمات شرم الشيخ (إزالة الحواجز، الإفراج عن الأسرى، دفع أموال الجمارك، وقف الاغتيالات)، ونال إنشاء جدار الفصل العنصري، ثم نال أخيرا القرار الإسرائيلي برفض التفاوض، وبالعمل على ترسيم الحدود من جانب واحد. وإذا كان هذا هو كل ما نالته السلطة الفلسطينية بعد اعترافها بإسرائيل، وكل ما ناله الرئيس محمود عباس بعد إعلانه رفض عسكرة الانتفاضة، فماذا ستنال حماس إذا نطقت تلك الكلمة السحرية «الاعتراف بإسرائيل»؟ لقد أعلن آفي ديختر رئيس الشاباك السابق أن إسماعيل هنية المسمى رئيسا للوزراء من قبل حماس، لن يكون مستثنى من عمليات الاغتيال التي وضع هو نظريتها، وأشرف على تنفيذها، وقال بعدها «لقد قتلت من الفلسطينيين أكثر مما قتلت حركة حماس من الإسرائيليين». ويوم السبت (1/3/2006) اغتالت إسرائيل خالد الدحدوح من الجهاد الإسلامي في غزة، واعتقلت اثنين من نواب حركة حماس، وقال اسماعيل هنية «إن إسرائيل تستخدم الدم الفلسطيني في لعبتها الانتخابية».

هذه هي الصورة إسرائيليا، وهي صورة بشعة، ولكن لا الغرب الاوروبي، ولا الغرب الأميركي، يريد أن يرى بشاعتها.

بريق الأمل الوحيد الذي يبرز في وجه هذه البشاعة، عبر عنه الرئيس محمود عباس، حين أعلن استعداد حركة فتح للتشارك مع حركة حماس في الحكومة المقبلة إذا تم تفاهم (أو تقاطع حسب تعبيره) على الأسس السياسية لهذه المشاركة. يفتح هذا الموقف الباب أمام تفاهم فلسطيني داخلي، ويقف في وجه النزعات المنفعلة والمحبطة التي عبر عنها بعض «شباب» حركة فتح إزاء صدمتهم يوم إعلان نجاح حركة حماس، حين وقفوا يدعون إلى ترك حركة حماس تواجه مصيرها، ولم يلاحظوا أنهم يقفون بذلك في صف واحد مع إسرائيل. ولكن هذا الموقف العقلاني من الرئيس عباس يأتي ليصحح الخطأ الفادح، ويأتي ليفتح الباب أمام الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهي التي كانت في كثير من الأحيان السلاح الأساسي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

وحين يتاح لهذه المشاركة أن ترى النور، سيقال إن التفاوض هو من صلاحية منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، وليس من صلاحية الحكومة ورئيسها إسماعيل هنية. يطرح البعض ذلك وسيلة من وسائل محاصرة حماس وتقليص دورها. ولكن لنسأل: ما هو الضير في ذلك؟ لتذهب منظمة التحرير إلى التفاوض مع إسرائيل مجددا، فماذا ستجني غير إملاءات جديدة يستحيل قبولها؟ ماذا ستجني غير خطط من طرف واحد يراد فرضها؟ ماذا ستجني غير سبع مناطق استيطانية يريد الجنرال موفاز ضمها؟ وآنئذ تتأكد نظرية حماس بلا جدوى التفاوض إلا إذا أقرت إسرائيل سلفا بحقوق الفلسطينيين، وفي المقدمة منها الاستعداد لانسحاب الاحتلال، الانسحاب الكامل.