ليست حرية.. هي أحيانا فوضى!

TT

لا حدود أمام تطور وسائل الاتصال.. والمجتمعات العربية لا تشذ عن مجتمعات العالم لجهة الدور المهم الذي يضطلع به الإعلام، أكان مرئياً أم مسموعاً أم مكتوباً، ومدى الأثر العميق الذي يخلفه هذا القطاع في حياتنا، وهو الآخذ في النمو والتطور بشكل أسرع من قدرتنا على مواكبته أو الإحاطة بقدراته الواسعة في مجال التواصل والاقناع والتأثير.

كلام ليس جديداً بالتأكيد، لكن يكاد يفوتنا ونحن نتابع بإعجاب القفزات التي حققها الإعلام العربي أن نثير بشكل أكثر جدية ضرورة خلق تشريعات وقوانين تنظم هذا القطاع من دون أن تحدّ من حرية التعبير والحق في إبداء الرأي. فنحن نعيش تطوراً مهنياً يقابله تخلف تنظيمي كبير، وهذا التخلف ينال من مصداقية المهنة نفسها.

لنأخذ اقتباس الأخبار أو المعلومات أو حتى الصور مثالاً.

في العالم العربي لا توجد أي تقاليد أو قوانين ترعى مسألة نقل الاخبار أو اقتباسها والتلاعب بها بشكل يحول دون إخفاء مصدرها الحقيقي، إذ نجد أن ثقافة نقل الخبر أو المعلومة أو التحقيق وإغفال المصدر الحقيقي أمر شائع على نطاق واسع. طبعاً هناك قوانين عامة لها علاقة بحقوق الردّ، وهناك بعض العقوبات التي يسهل تلافيها، لكن ليست هناك قوانين تنظيمية فعلية قادرة على احترام مصدر الخبر وضمان الحق في ذكر هذا المصدر حين يتم نقل المعلومة المبتغاة. وانعدام التنظيمات المعنية بهذا الأمر يسهّل حصول تجاوزات وسرقات متبادلة ويجعل من المادة الإعلامية الخاصة عرضة لانتهاكات واستعمالات من دون مراعاة حقوق الناشر والكاتب والصحافي أو المؤسسة صاحبة المادة الأصلية. واللافت أن تقاليد النشر في العالم العربي تعيب على أي جريدة أن تستشهد بجريدة أخرى، لكنها لا تعيب عليها اقتباسات من دون ذكر المصدر في وقت أنه يجب أن يحدث العكس، إذ ليس من الخطأ الاستعانة بمعلومات نشرتها صحف أخرى، لكن مع حفظ حق هذه الصحف بنسبة المعلومات إليها.

هذا الموضوع يرتبط بأمر أوسع يتعلق بكون حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي غير محترمة على رغم وجود قوانين في عدد من الدول تحاول ضبطها وحمايتها من التعدي. فحركة الترجمة والنقل من دون الحصول على الحقوق الفكرية أمر شائع في عدد من الدول العربية، وما زالت السرقة الفكرية وسرقة المعلومات بالنسبة إلى المزاج العام عندنا أمراً عادياً وثانوياً، إذ من المؤسف القول أن التعدي على المجهود الفكري للافراد في ثقافتنا ما زال أمراً ثانوياً ويقع خارج المنظومة الأخلاقية والقانونية في مجتمعاتنا.

في الغرب يقع الإعلام مباشرة تحت طائلة العقوبات القانونية حين يقع أي تجاوز لأصول وأخلاقيات المهنة، وهي عقوبات لا تتهاون في الحقوق الفكرية للأفراد والمؤسسات، بل ان هناك تطويراً دورياً لهذه القوانين والتنظيمات لتراعي التطورات التقنية لوسائل الاتصال.

وإلى أن تصبح التنظيمات والتشريعات واقعاً لا يمكن لنا تجاوزه في بلادنا، سنبقى أسرى النزر القليل من أخلاقيات وشرف المهنة نحاول تطويره إلى أن يتكرس واقعا لا تطيح به طموحات صغيرة آنية.

* إعلامية لبنانية تراقب وتتابع قضايا الإعلام

diana@ asharqalawsat.com