الرياض وباريس.. آفاق أخرى

TT

من الواضح ان العلاقات الدولية تبنى في الدرجة الاولى على تبادل المصالح فكيف اذا وصلت هذه العلاقات الى ما يسمى العلاقات المميزة.

زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك الى المملكة العربية السعودية تصب في هذا المنحى، فمنذ ان ارسى الراحلان الكبيران الملك فيصل بن عبد العزيز والجنرال شارل ديغول اسس هذه العلاقات، والطرفان يعملان على تمتين هذه الاسس والعمل لما فيه مصلحة البلدين.

لا شك ان العالم قد تغير كثيرا في الاربعين سنة الماضية حيث اصبحت الولايات المتحدة هي القوة الاولى الوحيدة والمهيمنة، خصوصا في عصر العولمة وقلما وقفت اي من احدى حليفاتها في المنظومة الغربية ضد توجهها خطأ كان هذا التوجه ام صوابا.

والحقيقة ان فرنسا هي الدولة الغربية الاولى التي تقف في احيان كثيرة في مواجهة الولايات المتحدة، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا العربية المحقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، هذه المواقف هي السبب في محاولات الضغط المتزايدة من اللوبي الاسرائيلي لتغيير السياسة الفرنسية الحالية ومواقفها المتزنة.

لم يكن من السهل وقوف فرنسا في مواجهة بعض سياسات حليفتها الولايات المتحدة، خصوصا الموقف الاخير من شن الحرب على العراق، وبالامكان التأكيد ان هذا الموقف قد كلف فرنسا كثيرا، سياسيا واقتصاديا، داخليا وخارجيا، فالمتأمركون الفرنسيون كنيكولا سركوزي والمرشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات التي ستجري في النصف الاول من العام القادم، والمدعوم من اصدقاء اسرائيل داخليا، وجد المناسبة للانقضاض على «عدوه» السياسي جاك شيراك، الممثل الاول لسياسة فرنسا العربية، والمدافع العنيد عن المفاهيم الديغولية.

بالرغم من هذه التعقيدات والمتغيرات التي يواجهها العالم، تحاول فرنسا ان تبقى وفية لمفاهيمها الديغولية، خصوصا ما يتعلق بسياستها العربية.

بالطبع فرنسا بحاجة لتفهم عربي، لمتطلبات «المصالح المشتركة». ومن المؤكد ان الرئيس الفرنسي يحمل في زيارته هذه ملفات متعددة على مختلف الصعد الاقتصادية والثقافية والامنية والتنسيق بين البلدين، خصوصا ان الاسلام هو الديانة الثانية في فرنسا ولا يخفى تأثير المملكة في مسلمي العالم والمسلمين العرب بوجه خاص.

هذه الزيارة هي من الاهمية بمكان حيث تأتي في وقت تواجه منطقة الشرق الاوسط تحولات كبيرة على مختلف الصعد، من الملف الايراني الى بوادر الحرب الاهلية في العراق مرورا بلبنان وسوريا، وبالطبع الوضع الفلسطيني بعد مجيء حماس الى السلطة، وهي تشغل بال المراقبين خصوصا اصدقاء العرب في الدوائر الفرنسية المختلفة. ويتطلع هؤلاء الى نجاح الزيارة لما سيكون لها من تأثير على السياسة الفرنسية للاعوام المقبلة ولما يمكن ان تعطيه من دفع لهؤلاء الاصدقاء في مواجهة ضغوط اللوبي الاسرائيلي في وزارة الخارجية.

هؤلاء الاصدقاء «يبدون تفاؤلا ملحوظا في نجاح الزيارة نظرا بحسب رأيهم الى السياسة الحكيمة التي يتبعها خادم الحرمين الشريفين واصراره على بناء علاقات ثقة مع مختلف دول العالم بما يتناسب ومصالح المملكة. وليس الانفتاح على الصين وقبلها روسيا سوى اشارات ايجابية لسياسة العاهل السعودي.

اما من الناحية الفرنسية فهنالك ايضا اشارات كثيرة نحو المملكة والعالم العربي، وارادة تلتقي مع الارادة السعودية ليس فقط في تمتين العلاقات بين البلدين بل في ارساء علاقات مميزة على مختلف الاصعدة.

تبدو سياسة «العلاقات المميزة» ارادة الطرفين فهل سيعود الرئيس الفرنسي الى باريس محققا لهذه التوجهات.

هذا ما يتساءله المراقبون، وهذا ما يرجوه اصدقاء «سياسة فرنسا العربية» في دوائر القرار.

* صحافي لبناني مقيم في باريس