لأن لنا اهتمامات أخرى!

TT

لم أعرف أن والدي قد نذرني لأن أكون من رجال الدين، ولم لا؟ فقد حفظت القرآن الكريم دون العاشرة وعشرات من القصائد الدينية ومن الأوراد: البردة النبوية للبوصيري ونهج البردة لشوقي والهمزية للبوصيري، وعدداً لا بأس به من الأحاديث النبوية، كل ذلك وأنا في الكتاب ـ بتشديد التاء ـ ولا أعرف القراءة والكتابة، وكان عمي أحد أساتذة الأزهر، وأعز أصدقاء والدي كان إماماً لمسجد الشيخ حسين في المنصورة ومسجد أبو حمص بمحافظة البحيرة، وأنا لم أسمع من والدي شيئاً من ذلك ولا أمي، وإن كانت تكره تماماً أن أكون شيخاً أزهرياً، وبعد حصولي على الابتدائية وكان ترتيبي الأول، ظهرت فكرة والدي واضحة في أن ألتحق بالأزهر، وفي هدوء تام جمعت أمي حاجياتها وعادت إلى بيت والدها، لا أعرف ولم أسمع نقاشاً بينها وبين والدي، ويبدو أنهما حرصا على ألا أكون طرفاً، وبعد أيام عادت والدتي، وهي تريد أن أكون مثل ابن خالتها الذي كان رئيساً لوزراء مصر، ماتت يرحمها الله، وقرر الرئيس السادات أن أكون وزيراً للثقافة سنة 1975، واعتذرت، ولو كانت أمي على قيد الحياة لقبلت من أجلها!

شيء غريب، لقد اقتنع آباء ثلاثة من زملائي أن يلتحق أولادهم بالأزهر، فكان منهم العميد والمدير، والتقينا وكأننا لم نختلف في أي شيء، والغريب أن واحداً من الثلاثة كان شيوعياً والثاني أمه ألمانية مسيحية وأبوه مسلم، ولا يعرف من الإسلام شيئاً، والثالث يوناني وقد أسلم.

وفي التاريخ نماذج كثيرة رفيعة المستوى لعظماء كان من المفروض أن يكونوا قساوسة، ولكن تغلبت عليهم نزعاتهم الخاصة، فالجراح الإيطالي فلابيوس هرب من الدير والشاعر الإنجليزي مازلو هدد بالموت إن صار قسيساً والفلكي العظيم كيلز والعالم الجليل دارون والفيلسوف الفرنسي الملحد زينان والزعيم السياسي السفاح ستالين والمؤرخ والمفكر العظيم ول ديورانت وهو مؤلف «قصة الحضارة» وهي تحفة أدبية تاريخية فريدة، ومؤلف «قصة الفلسفة اليونانية» و«قصة الفلسفة الحديثة» وقد ترجمها الدكتور زكي نجيب محمود، ومؤلف «مباهج الفلسفة» وقد ترجمه الدكتور أحمد فؤاد الأهواني.

وعندما جاء ترتيبي الأول في التوجيهية تلقيت هديتين في وقت واحد مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً، و«قصة الفلسفة الحديثة» ترجمة أحمد أمين وزكي نجيب محمود، وقال لي زكي نجيب محمود: إن أحمد أمين لم يضع قلماً في هذا الكتاب، ولكن لأنه الناشر فقد وافق زكي نجيب على وضع اسمه قبل اسمه على الغلاف، وزكي نجيب محمود هرب من المدرسة حتى لا يذهب إلى الأزهر لأن له اهتمامات أخرى!