المساكين الجامعيون

TT

إذا كانت الأزمة الاقتصادية قد نكلت بالمهنيين، فإن وقعها كان أعسر على الجامعيين. نعرف طبعاً قيام الطلبة بأعمال الخدمة في المطاعم والفنادق لسد نفقات الجامعة والمعيشة، لكن يظهر أن الخريجين من محامين ومهندسين وغيرهم قد تلاقفوا هذه الأعمال بعد أن تعذّر عليهم الحصول على وظائف تناسب اختصاصاتهم. أمام هذه المنافسة غير العادلة، انصرف الطلبة الإنجليز إلى ابتداع وسائل جديدة بارعة لكسب العيش. لاحظ أحد طلاب جامعة اكسفورد هوس السياح الأجانب بزيارة مبانيها التاريخية، فاندفع إلى اصطيادهم ودعوتهم لمشاهدة غرفة تلميذ حقيقية في الجامعة لقاء ثلاثة باوندات للفرد، لكن هذا المشروع الفريد انتهى بمأساة عندما اكتشفت الإدارة ذلك وسمعت بأنه كسب مئات الباوندات من ورائه، فطردته من الجامعة، لأنه زاحم إدارة الجامعة في تفريج السياح.

بيد أن زميلاً آخر كان أكثر حظاً منه، اكتشف هذا ان ضيق الحال أقعد الكثير من الطلاب عن شراء البدلة الرسمية لحفلات الجامعة، فتعاقد مع أحد البنوك على تسليفه ألفي باوند اشترى بها مجموعة من البدلات الرسمية وراح يؤجرها لزملائه لقاء أجرة معقولة. لم تجد الجامعة مسوغاً لطرد هذا التلميذ، نظراً لأن بعض الاساتذة وقفوا معه في المشروع، كانوا هم أيضاً يستأجرون بدلاتهم منه.

بالطبع من المألوف لطلبة الجامعة أن يقوموا بتدريس أولاد المدارس، هذا هو المصدر المعتاد عالمياً لقيام الجامعي بإعاشة نفسه، لكن بعض الطلبة وسعوا نشاطهم فأخذوا يزاحمون الشحاذين في عملهم.

الشحاذة ممنوعة في الغرب، السبيل الوحيد المسموح به هو أن يقدم الشحاذ شيئاً من الخدمة مقابل الصدقة التي تعطى له.

الخدمة المعتادة هي أن يعزف للمارين بعض الموسيقى، أو يرسم لهم على الأرض بعض التصاوير، وتقتضي التقاليد أن يدفع عابر السبيل شيئاً للشحاذ الفنان إذا نظر إلى التصوير الذي رسمه، وإلاّ فتعتبر نظرته استغلالاً لجهود إنسان.

دفع العوز مئات الطلبة في الغرب إلى عزف الموسيقى او الغناء في الشوارع لجمع ما يمكن جمعه. وفي رأيي ان في هذا تجاوزاً على حقوق الشحاذين المحترفين، لكن اللوم يقع عليهم، فكان المفروض فيهم أن ينظموا لأنفسهم نقابة خاصة لا تسمح لغير الاعضاء بمزاولة هذه المهنة، وذلك أسوة بالمحامين والأطباء والمحاسبين.

كثيراً ما يتهمني الناس بأنني اتحدث عن الذكور وأنسي الإناث، وهي تهمة صحيحة لا أدري كيف أردها.. ماذا عن الطالبات الجامعيات؟، ألا يواجهن نفس المصاعب؟. وجدت بعضهن أخيراً في الغرب، أن أحسن مهنة تسد حاجاتهن هي الرقص في الملاهي والمسارح. وهنا أعرب بعض التربويين عن مخاوفهم، قالوا هناك خطر في أن تكتشف الجامعيات ان الرقص يدرّ دخلاً اضعاف ما يمكن كسبه من مزاولة اختصاصهن العلمي. لا تمضي غير سنوات حتى تتحول بريطانيا الى شعب من الشحاذين والراقصات!.

أما أصحاب المسارح والملاهي، فقد رحبوا بهذا التطور وقالوا إن انخراط الجامعيات في نشاط مؤسساتهم يضفي على سهراتهم الاستعراضية الراقصة، جواً علمياً ينبض بالأدب والمعرفة.