مكافحة الإرهاب: لماذا نجح العرب وفشلت أميركا؟!

TT

نصر كبير حققه النظام العربي في مكافحة الإرهاب والعنف الديني، أحبطت السعودية هجوم «القاعدة» على حقل ابقيق الاستراتيجي للنفط. وتم اعتقال أو تصفية رؤوس الارهاب في القائمة الرسمية المعلنة للمطلوبين. وحال النظام إلى الآن دون تنفيذ الهدف الاستراتيجي للقاعدة، كما حدده توأما الإرهاب بن لادن وتابعه الظواهري، وهو تدمير أنابيب النفط في الصحراء السعودية المترامية الأطراف.

وها هي ليبيا تطلق سراح الإخوان المعتقلين منذ سنوات، فيما الجزائر وفي تعبير عن الثقة بالنفس والأمن والاستقرار، أفرجت وتفرج عن ألوف المعتقلين «الإنقاذيين»، وتعرض العفو والغفران عن بقايا المسلحين المعتصمين في «الجزر» الجبلية المحاصرة.

في مصر، كان نظام مبارك حاسما في استئصال شأفة الإرهاب والعنف، الى درجة إعلان التنظيمات «الجهادية» التوبة، والكف عن حمل السلاح، ومراجعة الايديولوجيا التكفيرية. وفي السودان، تم الطلاق بين النظام العسكري المتأسلم وعرابه السابق الشيخ الترابي الذي عاد فرفع راية الديمقراطية والتعددية، بعدما تعهد بأن تكنس الأصولية «الجهادية» السودان وشمال افريقيا.

في سورية، سقطت المرجعية الإرهابية الإخوانية، في المواجهة المسلحة مع النظام في الثمانينات، وقامت مرجعية «سلمية» أخرى تغازل المعارضة، وتبدي استعدادها لمفاوضة النظام للعودة الى الداخل، لا لإعلان نظام «الحاكمية الإلهية»، وانما على أساس التعددية والديمقراطية، بل هي تعرض الالتحاق بالجبهة التقدمية (البلغارية) جنباً الى جنب مع أحزاب السلطة.

في المقابل، تبدو إدارة بوش على حافة الهزيمة في «الحرب العالمية الثالثة» التي شنتها هذه المرة على مجهول اسمه «الإرهاب». وهي أول حرب عالمية مرشحة لخسارتها. احتل بوش أفغانستان والعراق، لكنه لم يستطع الحسم هنا وهناك. تحولت أفغانستان إلى حقل تفوح منه رائحة الحشيش، وتحول العراق الى معسكر تدريب لتصدير الإرهاب.

بعد أكثر من أربع سنوات على عملية القاعدة في نيويورك، لا يستطيع بوش زيارة حلفائه في باكستان وأفغانستان والهند، إلا في حراسة عشرات ألوف العساكر، ووسط تظاهرات الرفض، وبين دخان العمليات الانتحارية والقمعية. بل لم تستطع التقنية العسكرية والمخابراتية الأميركية، الى الآن، العثور على ابن لادن حيا أو ميتا.

حتى الأنظمة التي تبدو حليفة وقريبة جدا من أميركا، تواجه مفاجآت ومتاعب في مكافحة الإرهاب. سقط نظام اليمين في اسبانيا بعد عملية انتحارية واحدة، وجاء نظام اليسار الاشتراكي الذي ابتعد عن أميركا، وسحب قواته من العراق.

في الضفة وغزة، بدلا من أن يعكف محمود عباس على اعادة تأهيل نظام «فتح»، سمع نصيحة أميركا. أجرى انتخابات، ففازت بها منظمة أصولية متهمة بممارسة «الإرهاب». في العراق، لا يستطيع النظام الشيعي الذي أقامته أميركا شم الهواء خارج عاصمتها (المنطقة الخضراء)، فيما جمدت المقاومة «الإرهابية» حركة القوات الأميركية.

في الأردن، أدت نصيحة أميركا المسموعة بالإلحاح على التطبيع مع اسرائيل، إلى هز الاستقرار بعمليات انتحارية كانت شبه مستحيلة قبل غزو العراق (2003)، وقبل الصلح مع اسرائيل (1994). عمليتا الفنادق وميناء العقبة، ثم «اعتقال» المعتقلين الأصوليين لمدراء السجون، كلها نالت من هيبة الأجهزة الأمنية الأردنية المعروفة بدقتها وخبرتها في تفكيك التنظيمات التكفيرية، وإحباط العمليات التخريبية.

لماذا نجح النظام العربي، وأخفقت أميركا؟!

الصداقة مع أميركا لم تمنع النظام العربي من التمييز بين ما هو صالح لأميركا وما هو صالح لأمته. رفض النظام العربي حرب بوش على العراق. تجاوب النظام مع الدعوة الأميركية للإصلاح السياسي، بالقدر الذي لا يهدد الاستقرار والأمن، ولا يسمح بالهيمنة الأميركية، واستئجار واختراع قوى عربية حليفة لها باسم الديمقراطية.

في مكافحة العنف الديني، أبقى النظام العربي على التنسيق الأمني مع أميركا وأوروبا في الحدود التي لا تمس السيادة والاستقلال، وأقنع حلف النظام المستمر مع المرجعية الدينية التقليدية المجتمع الشعبي المتدين بأن التبشير بإسلام التسامح والانفتاح، لا يعني مجاراة نظام الأصولية المحافظة الأميركي، في حربه ضد الإسلام، تحت راية مكافحة الإرهاب.

العلاقة الخاصة للنظام العربي مع أميركا لا تمنع الاختلاف الحاد معها بخصوص انحيازها لاسرائيل. باستثناء مبادرة السلام على اساس الانسحاب التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز، فالسعودية لم تقم، سواء علنا أو سرا، علاقة تفاوضية أو ديبلوماسية أو اقتصادية مع الدولة العبرية.

مبارك أبلغ كوندوليزا علنا رفض مصر مقاطعة «حماس»، وقال لها ان استعجال أميركا الاصلاح العشوائي يهدد استقرار مصر والمنطقة، كما دلت الديمقراطية العراقية. السعودية قالت لكوندوليزا علنا انها لن تقطع المساعدة المادية عن الفلسطينيين، لانهم فضلوا «حماس» على «فتح» في انتخابات حرة.

نعم، نجحت أميركا في استئجار المرجعية «الجهادية» في افغانستان. لكن النظام العربي، وليس أميركا، هو الذي استوعب الموجة الارهابية «الأفغانية» العائدة من هناك، وفي تخطيطها وتصورها أنها قادرة على اسقاط النظام العربي، وتدمير السلام الاجتماعي والأمن المدني وليس أميركا، هو الذي دحر تنظيمات الإرهابيين «الأفغان»، فيما وقعت أميركا الدولة الكبرى ضحية سهلة لهم في مذبحة نيويورك الشهيرة.

لم يكن الفضل في اخفاق الردة الأفغانية في الثمانينات والتسعينات، الى الأجهزة الأمنية العربية فحسب، وانما ايضا الى تمكن النظام العربي من اقناع مجتمعاته بأن الخطاب الديني التكفيري للجهادية الأفغانية لا يصلح للعصر، كما أثبتت تجربته الطالبانية. الفضل أيضاً لعجز ابن لادن نفسه عن تشكيل طبقة سياسية ومرجعية دينية قادرتين على احلال نظام بديل وجاهز محل النظام العربي القائم، بحيث بدت القاعدة في النهاية مجرد تنظيم تكفيري مدمر للاستقرار والأمن، ومستغل لسلبيات أميركا.

والآن، هل زال الخطر؟

لا، إنما ليس هو خطر الحرب الأهلية التي تهدد بها أميركا العرب، ويلوح بها الإعلام الغربي في حربه النفسية. لن تكون هناك حرب دينية بين السنة والشيعة في العالم العربي، حتى ولو انفجرت في العراق. السبب بسيط للغاية، وهو انتفاء وجود شيعة في سورية والأردن ومصر والمغرب العربي، باستثناء لبنان الذي تؤكد شيعته على لسان مراجعها وساستها عدم ارتباطها بمصالح وسياسات شيعة العراق.

السبب الآخر كون شيعة الخليج تتمتع بقسط متزايد من حقوق المواطنية في الحرية الدينية، والإنفاق الحكومي، والإثراء الشخصي من الاقتصاد الحر. إذن، ما هو هذا الخطر المقبل؟ ومن أين؟

الخطر الجديد على السلم المدني والاستقرار الاجتماعي والسياسي في المجتمعات العربية، آتٍ أيضاً من العراق الذي تحول، في عهدة أميركا وفشلها، إلى معسكر تدريب للجهاديات السنية، وقاعدة انطلاق لموجة إرهابية جديدة نحو الدول المجاورة، بعدما سلمت أميركا، باسم الديمقراطية، العراق الى المرجعيات الدينية الشيعية وأحزابها ومليشياتها.

بعد انحسار الموجة الإرهابية «الأفغانية»، العرب مهددون، نظاما ومجتمعا، بالموجة الإرهابية «العراقية» التي ستندلق نحو المشرق والخليج، بعد انسحاب القوات الأميركية، أو حتى في ظل عجزها الراهن عن احتواء الإرهاب، أو هدهدة غلواء النظام الطائفي الذي أقامته هناك.

هل النظام العربي أعد عدته لمواجهة الموجة الإرهابية الجديدة؟ هل هو قادر على الانتصار، كما انتصر على الموجة الأفغانية؟

لا يخامرني شك في قدرة النظام والمجتمع على المواجهة وبديد الخطر.