منع «صدام الجهلة»

TT

الرئيس الفرنسي جاك شيرك كان موفقا خلال زيارته الى السعودية في استخدام تعبير «صدام الجهلة» وهو يتحدث عن الذين يحاولون افتعال صدام الحضارات بين الامم.

فوقود هذا الصدام الذي يدفع اليه البعض دفعا حثيثا بكل الوسائل هو الجهل الذي يولد عنفا اعمى او كراهية وانقساما نتيجته في النهاية لن تكون سوى الخراب او الدمار وتراجع فكرة الحضارة نفسها.

ويبدو ان احد التحديات الكبرى للقرن الواحد والعشرين او على الاقل النصف الاول منه هو تفادي هذا الصدام المدمر ومواجهة الافكار المتطرفة التي تحاول استبدال مفاهيم التعايش والحوار والتواصل بمفاهيم التقسيم والانعزال والكراهية.

والواضح ان هذه مهمة ليست سهلة، فللأسف يبدو أن التطرف يكسب ارضية سواء في الشرق او الغرب، وهو ـ بحكم طبيعة الاشياء او ديناميكية رد الفعل ـ حين يظهر في جانب يولد تطرفا لدى الجانب الاخر، ويصبح ظاهرة تغذي نفسها بنفسها، او مثل كرة الثلج تكبر يوما بعد يوم ما لم يكن هناك وعي وتدخل لوقف نمو الظاهرة.

وبدون شك فإن هناك عوامل كثيرة تدخل في صناعة ظاهرة التطرف بدءا من الفقر الى الجهل ثم الظلم السياسي الى آخره، لكن هذا لا ينفي ان هناك من يستغل هذه الحالة في تغذية العقول بالتطرف وعدم التسامح والعنف كأسلوب حل، بينما هو في الحقيقة ليس حلا ولن يقود الى شيء سوى الى خدمة اهداف اصحاب الفكر المتطرف وهم لديهم أجندة خاصة بهم.

ولا يخفى انه خلال العقود الثلاثة الاخيرة هناك تنامٍ في افكار التطرف واجواء عدم التسامح في الكثير من المجتمعات العربية او الاسلامية ترافقت معه ظاهرة العنف الاعمى الذي يبرر تصرفاته بالاسلام. ومقارنة مظاهر الحياة والافكار في مجتمعات عربية او اسلامية قبل 20 او 30 عاما باليوم تثبت ان هناك مشكلة لم تجر معالجتها بالشكل المناسب او تم التغاضي عنها لفرتة طويلة، لكنها تهدد الان هذه المجتمعات اكثر من غيرها وتعوق نموها السياسي والاقتصادي.

وقد ظهرت في الازمة الاخيرة الخاصة بالرسوم الكرتونية الدنماركية الدرجة التي وصلت اليها حالة الاحتقان والتشنج والتي يؤجج فيها المتطرفون من الجانبين، ووصلت ردود الفعل الى حالة هستيرية قتل فيها عشرات واحرقت مبان.

كيف يمكن قطع الطريق على الجهلة الذين يدفعون الى صدام الجهلة او حرب الحضارات؟ هذا هو السؤال الذي يجب ان يكون مثار بحث عميق بين العقلاء في الشرق والغرب وبين الامم المختلفة، ولعل اول شيء منطقي يجب ان يفعل هو اعلان الحرب على الجهل لانه وقود التطرف وعدم القدرة على رؤية ان العالم لا يمكن ان يعيش ويزدهر الا بالتعددية واختلاف الالوان والافكار.