لا ذنب للمرايا

TT

المرايا لا تخدع. إذا رأيت وجهك في المرآة فتأكد أنك أنت..! النتوء الذي فوق جبهتك بسبب شقاوة الطفولة ليس من اختراع المرآة..! وتقطيبة الحاجبين والجدية المفتعلة وإعلان الطلاق البائن مع الابتسامة ليس من اختراع المرآة.. انه وجهك..!

هناك من يضحك على نفسه فيغير المرآة..! وهناك من يصدق مع نفسه ومع المرآة فيغير هذه التقطيبة وهذا التجهم الكريه..!

الذين لا تحبهم يجب ألا تعتقد بالضرورة أنهم أشخاص سيئون..! ربما هناك نتائج خاطئة تم بناؤها على مقدمات خاطئة..! ربما لقاء الدقيقة الواحدة معهم أعطاك صورة غير حقيقية..! ربما نحن السيئون وليسوا هم، ولكنا لا نريد أن نعترف !

لا تلوم الغزلان البرية المتوحشة على كثرة التلفت، لا تفسر كثرة تلفتها كنوع من حب الاستطلاع، بل تذكر أن الغابة مليئة بالذئاب المتوحشة..! لا تلوم البحارة الأشداء حين يتعبون، تذكر كم أن الرياح لا تعرف الرحمة، وأن البحر لا قلب له..!

الزهور تعرف أن عمرها قصير ولذلك تنتحر وهي صغيرة..! وأشجار الغابة تتخلص من أوراقها وتنزع ثيابها وتمارس التعري، لأنها لا تريد أن تخسر عضويتها في نادي الغابات في الشتاء القادم..!

تأتيك الحياة بكامل أناقتها فلا تنخدع. اطمئن واستمتع ولكن عليك أن تتذكر دائما ان الحياة قصيرة، وأن كل يوم في حياتك يمر لن يعوض بيوم آخر، ولذلك لا ترتكب الكبائر. كبائر التجهم، والحزن على ما لا يستحق، والبكاء على اللبن المسكوب..! وتذكر أن الإنسان لا يستطيع أن يأخذ كل شيء، ولا أن يحقق كل أحلامه..! لم يحدث في تاريخ البشر أن حقق احد كل أحلامه، ومن يعتقد ذلك فهو بلا حلم..!

لتعرف معنى القادم حدِّق في وجوه الأطفال، ستجد أن الدنيا بخير، ستقرأ في عيونهم ما قاله ذلك المتشرد «أجمل البحار التي لم نكتشفها بعد، وأجمل الأزهار التي لم تتفتح بعد، وأجمل الأطفال الذين لم يولدوا بعد»، ولتعرف ما مضى حدِّق في تجاعيد وجوه العجائز الطيبة لتقرا تاريخا من المحبة والرحمة والطمأنينة والتواضع. سترى التدين دون تطرف، والصدقة حيث لا تعرف الشمال ما أنفقت اليمين، والحفر في الصخر في زمن شحَّت فيه لقمة العيش، حدِّق في مرآة نفسك.. فالدنيا بخير أو على الأقل، الدنيا لا ذنب لها..! نحن من يصنع الفرح نحن من يصنع الكآبة..! لا ذنب للمرايا.