.. ولا عزاء للأموات في جدة

TT

قبل نحو أكثر من 20 سنة كنت أحضر كصحافي اجتماعا دعا إليه عمد أحياء مدينة جدة للقاء أمين المدينة السابق المهندس محمد سعيد فارسي، وقد سبقت الاجتماع بأن سألت عمدة حينها أن يطالب لنا بملاعب وحدائق وميادين، فهز رأسه موافقا ولكنه حينما أعطي الكلمة رفع عقيرته مطالبا بمقبرة للحي، واحتججت عليه حينها مشيرا إلى أنني لم أر أو أسمع عن مقبرة من مقابر المدينة قد أغلقت أبوابها في وجه ميت! وأنه من الأولى أن نهتم بمطالب الحياة والأحياء.

واليوم بعد مرور نحو عقدين اعتذر آسفا لذلك الرجل بأنه كان على صواب وكنت على خطأ، فلقد نشرت صحيفة المدينة السعودية في عددها الصادر أمس الثلاثاء 7/3/2006 خبرا بعنوان: «مقابر جدة تغلق أبوابها أمام الموتى لاكتمال العدد!»، وتفاصيل الخبر تشير إلى أن عددا من مقابر المدينة مغلقة للترميمات أو اكتمال العدد، وأن قوافل الجنائز تنتقل من مقبرة لأخرى بحثا عن قبور لإيواء الموتى!!

ولما كان شأن الموتى يتبع مسؤولية أمانة جدة فلقد أوضح مدير إدارة التجهيز بالأمانة مبررات مبكية لأسباب الأزمة التي يواجهها الموتى، ومن هذه المبررات أن إدارته اعترضت على تخصيص مقبرة لسكان جدة في ثول «نحو 100 كيلومتر خارج المدينة»، وأن مشروع المقبرة الثانية في شرق المدينة حصل عليه تعديات، وأن الثالث في جنوبها يقع لصيقا لشبك الرماية!

وأنا هنا أسأل أمانة جدة مباشرة: أليس من الأولى على أمانة مدينة توزع مساحات واسعة من المنح سنويا للأحياء، أن تقتصد حصة صغيرة للأموات؟!.. هل تريدنا الأمانة أن نملَح موتانا في انتظار العثور على قبر يضم رفاتهم أثناء مكوثهم في الطابور؟!

يا أمانة هذه المدينة المسكونة بحمى الضنك والمستنقعات و«وايتات الفجر» وعشوائية الاحياء وتلوث الشواطئ ألا يكفيكم تجاهلا لمعاناة السكان الأحياء لتمتد المعاناة إلى الموتى؟

أشعر بالأسف لما آل إليه حال هذه المدينة التي كانت سيدة البحر ولؤلؤة الجزيرة والسباقة إلى الحداثة والتطور على كل المدن الواقعة بين البحر والخليج.. هذه المدينة التي كانت في مقدمة الركب تمارس الركض والصهيل هي الآن تتوكأ على ذكريات أمسها كعروس جفاها البحر والشعر والموال والهديل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

[email protected]