مشكلة الصحافة

TT

كنت أتكلم مع مسؤول لإحدى وكالات المعلومات الأميركية التي دأبت على ترجمة بعض مقالاتي ونشرها بالإنجليزية، قلت له لا مانع لديّ من ذلك، لكن لماذا تنشرون فقط مقالاتي التي انتقد فيها العرب والمسلمين ولا تنشرون مقالاتي التي أدافع فيها عنهم، وأهاجم إسرائيل؟، أجابني فقال أنت كعربي ومسلم ليس في كلامك شيء جديد يستحق الذكر عندما تدافع عن العرب والإسلام، لكن عندما تنتقدهم فهذا شيء طريف جدير بالذكر. انها الحكاية القديمة في الرجل والكلب، إذا عضّ كلب رجلاً فهذا ليس بخبر، لكن إذا عضّ رجل كلباً فهذا هو الخبر.

هذه هي الصحافة فهم يسمون الجريدة «ورقة أخبار» News Paper، والأخبار News، مأخوذة من «الجديد» New.

انها بعبارة أخرى ورقة الجديد، نحن نقول جريدة وهم يقولون جديدة، بيننا وبينهم حرف واحد، لكنه حرف خطير. وحافظنا على هذا الفرق وهذا الحرف، لأننا لا نحب الجديد ولا نريد التجديد، إلا إذا كان سيارة أو امرأة!. أثار الموضوع اهتمامي في الأيام الأخيرة بصدد كل هذه الضجة عن الإسلام والمسلمين غصّت وسائل الإعلام الغربية بكل ما قاله وهدد به المتطرفون والإرهابيون، وكل من دعا إلى الضرب والقتل والذبح جواباً على نشر التصاوير الكاريكاتيرية عن نبينا، لكن كانت هناك أصوات معتدلة عبّرت عن استهجان المسلمين وغضبهم، لكن في إطار القانون والشرعية والأدب، لم تحظ هذه الأصوات بذلك القدر الذي حظي به الإرهابيون والمتطرفون. كان منها اجتماع حضره مئات المسلمين وغير المسلمين في مبنى دار الأصدقاء (فرندس هاوس)، الشهير في لندن، عبّر عن هذا النقد والاحتجاج المعتدل وانتقد الأصوات المتطرفة والمسيئة للإسلام. لم أجد أي ذكر لهذا الاجتماع في الصحف الرئيسية، أعطته «الأوبزرفر» إشارة عابرة بعد أسبوع من انعقاده، جرى اجتماع جماهيري في ساحة الطرف الأغر عبّر عن نفس الأفكار المعتدلة من عقلاء المسلمين والمسيحيين، لم يحظ من تلك الصحيفة المحترمة والمعتدلة بأكثر من 150 كلمة وصورة صغيرة لفتاة مسلمة ملتفة بالعلم البريطاني في الصفحات الداخلية من الجريدة.

إنني أعيش في هذا البلد لنحو نصف قرن، ومع ذلك لم يسبق لأي أحد أن سألني عن رأيي في هذه المواضيع الإسلامية كعربي مسلم معتدل متشبث بالعلمانية والعقلانية، لكنك تراهم يتزاحمون حول أي معتوه أزعر ينطق بأرذل الكلام وأخطره وينشرونه في الصفحات الأولى كرأي إسلامي.

ربما يظن القارئ أن هذا شيء متعمد ومصمم للإساءة للإسلام. ورغم صحة هذا الظن في بعض الحالات، فإن الأمر بصورة عامة يعود لجوهر العمل الصحافي، وهو التركيز على الجديد والمثير والاستثنائي.

إنهم يعتبرون الصوت المعتدل والعقلاني شيئاً مألوفاً ومملاً ولا يشكل خبراً، الأصوات المسيئة للإسلام هي الخبر، وهذه هي المصيبة. عبثاً أحاول أن أقنعهم وأريهم بأن الأصوات المسيئة للإسلام هي المألوف والدارج، أصواتنا المعتدلة التي تصون سمعة الإسلام والمسلمين هي الخبر.