حمزة شحاتة بين الضوء والظل

TT

بعيدا عن كل ما تثيره مدرسة التحليل النفسي حول الدافعية إلى الإبداع وبواعثه، فإنه لا يمكن إغفال ميل الأديب إلى الشهرة والظهور، كما لا يمكن تجاهل إحساسه بالزهو نتيجة تقدير الآخرين له، فالأديب كما يصفه على شلش في الاصل إنسان، والإنسان لا يكره الظهور، إذ أن حب الظهور يمثل القاعدة، أما حب الظل فهو الاستثناء. ويرى الأديب الراحل أحمد عبد الغفور عطار، أن الإنسان مفطور بطبعه على أن يفكر ويبحث وهو إذ يصنع ذلك، إنما يقصد أن يكمل به نقصه ويقوي ضعفه، ويظهر بروزه وتفوقه حتى يكون موضع الإعجاب والتكريم والاهتمام.

وأمام هذه الحقائق وغيرها نجد أنفسنا إزاء موقف لا نجد له تفسيرا سهلا، ونحن نقرأ أو نتعرف على بعض كبار المبدعين الذين زهدوا في الشهرة، بل وحاولوا تجنبها وكأنهم يؤثرون الحياة في الظل، فيأبى إبداعهم إلا أن يضعهم في عين الشمس، ومن هؤلاء الأديب الأمريكي وليم فولكنر، الذي كان يعلق لوحة «ممنوع الدخول» على باب مزرعته التي يسكنها، وكان المستهدف من «ممنوع الدخول» هم الصحافيين. كما كان الأديب الفرنسي جوستاف فلوبير من أشد الناس عزلة وانطواء، ومثله الكاتب المسرحي الإيرلندي صامويل بيكيت، الذي كان يفر من الصحافيين وينأى بنفسه عن مجالسهم رغم ملاحقتهم له. وهناك أيضا آخرون أمثال الأدباء: جون شتاينبك وجوستاف فلوبير وسالنجر وجون ماركواند، وغيرهم.

وإذا ما انتقلنا إلى تقصي أحوال هؤلاء في ساحة الإبداع الأدبي السعودي، فإن ثمة قلة من الأدباء يمثلون هذا الموقف بإصرار، ومن هؤلاء الشاعر حسين سرحان، والناقد عبد الله عبد الجبار، والمفكر والفيلسوف والشاعر حمزة شحاتة، وإن كان شحاتة هو الأكثر نفورا من الشهرة والأكثر إصرارا على الغياب من المشهد الثقافي.

ولما كان الملتقى السادس لقراءة النص، الذي سيقيمه نادي جدة الأدبي الثقافي يوم الاثنين القادم برعاية وزير الثقافة والإعلام السعودي إياد مدني، قد خص أدب حمزة شحاتة كموضوع لهذا الملتقى، فإنني لآمل أن يوفق بعض الباحثين المشاركين في هذا المنتدى في حل لغز شحاتة، أو بعبارة أخرى تقصي العوامل التي أدت بعبقري مثل حمزة شحاتة في آخر حياته، إلى وأد قصائده وبنات أفكاره دون رحمة، حتى انه كان ينظر لكل من يحاول نشر شيء من نتاجه، بأنه يمثل تهديدا لسكينته وخياره في العزلة.

واليوم حمزة شحاتة في ذمة الله، ومن الوفاء لهذا العبقري أن ينصف اليوم من نفسه، ومن الحظوظ العواثر التي أحاطت بمشواره، وجل الشكر لمهندس هذا الملتقى ومنفذ فكرته الأديب عبد الفتاح أبو مدين، الذي سيفتقد نادى جدة الأدبي قيادته، وقد أعلن الرجل الرحيل تاركا وراءه سجلا ثريا بالكثير من المنجزات، التي يمكن أن تتعب خلفه إن لم يكن على مستوى «أبو مدين» عطاء وتضحية وعشقا.

[email protected]