غداة يومها العالمي: المرأة العربية ووضعيتها المرتبكة

TT

احتفل العالم أمس باليوم العالمي للمرأة، وهو موعد سنوي يطغى عليه الطابع الاحتفالي ويركّز على الوجه المشرق من ملفات المرأة المفتوحة التي لم تستوف كافة الإشكاليات. ومن جهتي كامرأة عربية، تثيرني هذه المناسبة من جهة الوضعية المرتبكة والمتناقضة، التي تعيشها النساء العربيات، فنلحظ أن واجبات المرأة كاملة وفي تراكم يومي، في حين أن حقوقها قليلة على مستوى الكم ومتخلفة على مستوى النوع والكيف. وإن كنا لا ننكر أن المرأة العربية في السنوات الأخيرة قد حصلت على بعض الحقوق في مجال الأحوال الشخصية (قانون الخلع في مصر)، إلا أننا في المقابل لا يسعنا سوى الاعتراف بأن معظم البلدان العربية لا تزال مترددة وتعمل النخب السياسة الحاكمة فيها ألف حساب للمعارضة الإسلامية، وتتعلل برفع شعار الخصوصية الثقافية الاجتماعية. والحال أن حتى مفهوم الخصوصية يتكون من شق ثابت وآخر متحول.

لذلك فإن تخلف التشريع القانوني في ما يخص وضعية المرأة في الفضاء العربي، يلعب دور العقبة والمانع لتطور المدونة التشريعية، وبالتالي المرأة كممثلة رمزيا وواقعيا لنصف المجتمع. فإصرار قوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات العربية على فرض مبدأ الطاعة على المرأة، يعني ضمنيا وتصريحا أن المرأة دون الرجل، وأنها تابعة له وأن لا علاقة لها بصنع القرار في علاقتها الزوجية أو داخل أسرتها.. الخ، وبالتالي فإن صورة المرأة في غالبية التشريعات العربية لا تتجاوز التبعية النسبية أو الكاملة، وهو ما ينفي عنها صفة الذات الفاعلة المستقلة والشريكة للرجل.

وفي الحقيقة فقد كان لسجن التشريعات للمرأة في دائرة الطاعة والتقبل في الماضي ما يبرره، وأهم تلك التبريرات النفقة، التي كانت على رأس قائمة واجبات الرجل نحو زوجته وأطفاله، لكن الحراك الاجتماعي الذي شهدته المجتمعات العربية منذ فترة الاستقلال إلى اليوم، قد أفرز عدة تغيرات فأصبح الفعل الاجتماعي يدار ويدفع ويتحرك بمجهودات الرجل والمرأة وبساعديهما الاثنين معا، لذلك فإن مشاركة المرأة في معركة الخروج من التخلف (المعركة المتواصلة)، وخروجها إلى العمل ومساهمتها في الإنفاق على البيت، وتساوي واجباتها على مستوى الواقع الاجتماعي مع واجبات الرجل، كل هذا أبطل شرعية طاعة المرأة للرجل بزوال السبب، بما أن مسألة الإنفاق داخل الأسرة لم تعد حكرا على الرجل فحسب.

والمشكل اليوم هو أن أدوار المرأة تغيرت وتطورت داخل الأسرة والمجتمع، في حين أن التشريعات القانونية، لا تزال متخلفة على أكثر من صعيد، فهي واقعيا فاعلة اجتماعية وتشريعيا كائن مطلوب منه الطاعة!.

ومثل هذه الوضعية المتناقضة، حيث تلعب المرأة دور الشريك وتطالب في الوقت نفسه قانونيا بالطاعة، تعكس هوة بين الواقع الاجتماعي وقوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات العربية، رغم أن المعروف أن القانون حاجة اجتماعية، بل أن حتى مجلة الأحوال الشخصية في تونس، التي تعتبر رائدة وتجربة نموذجية في العالم العربي، حيث ألغت تعدد الزوجات منذ 1956، لم يتم فيها إلغاء مبدأ الطاعة سوى بعد تنقيح 1993 الذي أصبح ينص على مبدأ الشراكة بين المرأة والرجل لا علاقة قائمة على مبدأ الطاعة. ولا شك طبعا أن جوهر هذه الإشكالية ثقافي بالأساس والمسألة في معظمها ذات علاقة بالمنظومة الثقافية الدينية المستحكمة في المجتمعات العربية.

إلا أن تجارب عديدة أثبتت أن جرأة التشريعات القانونية وسن قوانين تقدمية تنسجم مع تطلعات المجتمع إلى التقدم والتنمية والتطور، يمثل حصانة قوية للمرأة وللأسرة وللمجتمع ككل، أي يمكن أيضا للمدونة القانونية أن تكون أقوى وأكثر تقدما من المنظومة الثقافية السائدة في المجتمع ومن الواقع الاجتماعي نفسه، إلى أن يتم التوازي بين البعدين بفعل تراكم التجربة الاجتماعية مع الزمن الذي يتيح للقيم والقوانين فرصة التغلغل والثبوتية.

ولئن تحدثنا عن حقيقة وجود الشراكة بين الجنسين في مستوى الواقع والممارسة والوقائع الاجتماعية، فإنه يغلب عليها الطابع التلقائي والطبيعي للحياة. ذلك أنه حتى على أرض الواقع نجد هذه الشراكة مقطوعة الرأس ومجتزئة. أي أنه هناك شراكة في الاقتصاد والمرأة تعمل في كافة الحقول الصعبة والعادية، وأثبتت مهارتها حتى في المجالات التي تعتبر مجالا ذكوريا خاصا. وتساهم كذلك المرأة العربية في التنمية وتعمل في التعليم وفي الصحة وفي الصحافة وفي المحاماة، لكن حضورها في الحقل السياسي ودوائر صنع القرار لا يزال دون التوقعات المأمولة. وباستثناء مصر التي تقلدت فيها المرأة نصيبا معقولا من المناصب القيادية في الإعلام وفي الوزارات، وبالخصوص في المجال الدبلوماسي، فإن باقي الدول العربية لا يزال الرجل يحتكر فيها العمل السياسي وصنع القرار. وفي تونس مثلا التي يتجاوز فيها نسبة الإناث نسبة الذكور ونسبة الطالبات 57%، نجد أن حضور المرأة التونسية في البرلمان 22.7% و23 امرأة مديرة عامة في الوظيفة العمومية، وهي أرقام لا تنسجم بما يكفي مع الخطاب السياسي التونسي حول المرأة ولا يتوازى في القيمة مع فتوحاتها على مستوى القوانين. ومن التعبيرات الوصفية لواقع المشاركة السياسية للمرأة في المجتمعات العربية، نذكر وصفا خاصا للدكتورة والباحثة الاجتماعية تراكي زناد تقول فيه إن المرأة العربية يد عاملة في السياسة لا أكثر ولا أقل.

ونعتقد أن ضعف حضور المرأة في مجالات صنع القرار وطبخة يستدعي من الدول العربية بذل جهد خاص من أجل استيعاب الإرادة النسوية، وبالتالي المضي قدما نحو تحقيق نوع من الشراكة السياسية، تثمر بدورها ضرورة تطوير التشريع القانوني وتجعل مساهمة المرأة في التنمية تشمل الانخراط تماما كما التفكير والتخطيط وصنع القرار. خصوصا أن المجال السياسي إذا ما حازت فيه المرأة العربية على حصة مرضية، سيسمح بتكاتف الإرادتين من أجل صالح مجتمع، لا خيار له اليوم سوى تكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وملف المرأة جزء ظاهر ومخف من هذه التحديات.

* كاتبة تونسية

[email protected]