هل سئمتم من اتشيه وأفغانستان والجزائر والشيشان وكشمير كأماكن لممارسة نوع من «الجهاد» المزعوم؟ هل شعرتم بأن العراق قد يكون سوقا منكمشا للارهاب، بينما تبرهن باكستان على أنها أكثر صعوبة في تحقيق الاستقرار مما يعتقد كثيرون؟
إذا كان الجواب بالإيجاب، فلماذا لا تتأملون مكانا جديدا للقتال الأصولي: جنوب تايلاند حيث اندلعت حرب محدودة معلنة بين المتمردين الملاويين المسلمين وجيش بانكوك منذ عام 2002؟
هذه بعض الأسئلة التي توزع بين أوساط الجهاديين في الفضاء الالكتروني، وفي شبكة الجوامع التي يديرها المتطرفون من لندن، الى سيدني مرورا بعمان وجاكرتا.
ومن الصعب معرفة الى اين يمكن ان يؤدي كل هذا الحديث. ولكن الاشاعة التي تدور في أوساط الاسلاميين، هو أن منظمات جهادية ذات تمويل جيد، قد تعد لعرض بهدف الهيمنة على تمرد جنوب تايلاند. وإذا ما حدث ذلك فإن الخاسرين الأوائل والرئيسيين، هم المسلمون الملاويون الذين ظلوا يكافحون من أجل الاستقلال منذ أن ضم بلدهم الى مملكة سيام عام 1902. غير أنه في الوقت نفسه من المؤكد أن تحويل ما هو في الجوهر تمرد اثني الى حرب دينية، سيلحق ضررا بليغا بمساعي تايلاند لبناء مجتمع حديث.
لقد برهن التاريخ مرارا وتكرارا على ان وصول الجهاديين المحترفين لإدارة أزمة، هو قبلة الموت بالنسبة للحركات الاسلامية، بما فيها تلك التي تعاني من المظالم، ولديها مطالب مشروعة.
فنزاع كشمير، على سبيل المثال، بدأ عام 1947 كنزاع اقليمي بين الهند وباكستان، فيما هما تنهضان من أنقاض الكولونيالية البريطانية. وكان ذلك النزاع حول الأرض والحدود والمياه والأمن القومي، وليس حول الدين. ولم يكن له أن يكون حول الدين لأنه كان هناك، وما يزال، عدد من المسلمين في الهند أكثر من عددهم في باكستان. وفي الأساس كانت جميع الأحزاب الكشميرية، بما فيها تلك التي طالبت بالاستقلال أو الاتحاد مع باكستان، احزابا علمانية، وبالتالي أبقت على امكانية الحل السياسي.ولكن عندما بدأ الجهاديون المحترفون بالوصول الى المشهد، فقد النزاع سمته السياسية، واكتسب سمات دينية في ما وراء أهميته المباشرة. وأنشأ الجيش الباكستاني عددا من المنظمات الجهادية، بما فيها عسكر طيبة وجيش محمد وفيلق الصحابة، لخوض القتال في كشمير. وكلها، الآن، تهدد أمن باكستان.
وكان لتحويل كشمير الى نزاع ديني نتيجة سلبية أخرى، فقد خلق حقلا يمكن ان ينمو فيه عنصريون هندوس متطرفون كقوة سياسية. وفي رد فعل على «الجهاد» في كشمير انتخب الهنود تحالفا من الأحزاب الهندوسية المتطرفة لتسلم السلطة للمرة الأولى، وأبقوهم فيها لفترة عقد تقريبا.
وفي أوائل التسعينات كان الشيشان يبلورون وضعا يسعون من خلاله الى الاستقلال الذي كافحوا من أجله على مدى قرنين. وبعد تقلبات كثيرة توصلت الشيشان وروسيا الى اتفاقية ليبيد مسخادوف التي قدمت تصورا عن طلاق ودي، اذا ما جرت تلبية طائفة من الشروط.
ولكن ذلك لم يكن ما يريده الجهاديون المحترفون. فلم يهتموا في ما اذا كانت الشيشان ستحقق الحكم الذاتي ضمن الاتحاد الروسي، أو أن تصبح مستقلة. ولم يكونوا يريدون ببساطة إلحاق هزيمة بالروسي «الكافر»، وإنما اذلاله وتدميره. كما أنهم قتلوا آمال الشيشان بتحقيق الحكم الذاتي او الاستقلال.
وكان التأثير كارثيا أيضا على روسيا. فقد سمح للرئيس بوتين فرض نموذج استبدادي من الحكم، ووضع أجزاء كبيرة من الحكومة تحت سيطرة الأجهزة العسكرية والأمنية.
ومرت الجزائر بتجربة مماثلة، ولكن هناك فوارق واضحة. فقد حدث انقسام في البلاد عام 1991 حول ما اذا كان يجب المضي قدما في انتخابات عامة مثيرة للجدل كان متوقعا فوز تحالف الاسلاميين بأغلبية فيها. ما حدث كان نزاعا سياسيا يمكن حله بوسائل سياسية. وفي واقع الأمر كان بعض قادة الاسلاميين، بمن في ذلك عبد القادر حشاني، قد بدأوا محادثات سرية مع قادة الجيش الجزائري بغرض التوصل الى تسوية. إلا ان العناصر الجهادية تدخلت وبدأت سلسلة من مذابح بشعة راح ضحيتها، مدنيون لا علاقة لهم بالنزاع. هذه العناصر لم تكن لديها رغبة في انتخابات أو برلمانات أو «البدع الشيطانية للغرب الكافر». وكان جمال زيتوني، وهو واحد من قادة هذه الجماعات، قد علق قائلا انهم «يريدون ان تسيل الدماء لكي تسقي شجرة الشهادة». الجماعات الجهادية منيت بالهزيمة في الجزائر، وستمنى بالهزيمة في بلدان أخرى. إلا انه خلال عشر سنوات من الارهاب قتل خلالها في الجزائر ما يزيد على 150 ألف شخص، فيما تعطلت التنمية الاقتصادية وتأخرت عملية تطبيق وترقية الديمقراطية، واضطر ما يزيد على ثلاثة ملايين جزائري لمغادرة البلاد هربا من الأوضاع المضطربة.
ترى، هل من الممكن تحاشي حدوث تجربة مماثلة في تايلاند؟
الإجابة بنعم، إلا ان المهمة ليست سهلة. إذ يبدو أن رئيس الوزراء، ثاكسين شيناواترا، الذي يواجه الآن انتخابات عامة، في طريقة الى الوقوع في شراك الجماعات الجهادية. يحاول شيناواترا، الذي كان في السابق من كبار قادة الشرطة في البلاد، ان يظهر كـ«رجل قوي»، ووعد ايضا بـ«سحق المجرمين»، في إشارة الى متمردي الملايو. وبتشجيع من المجموعات القومية التايلندية التي تخشى توسيع دائرة الديمقراطية يحاول ثاكسين الظهور كنموذج آسيوي لفلاديمير بوتين.
يريد الجهاديون دائما أن يكون لهم مثل هذا الشريك بغرض تحويل النزاع السياسي الى حرب دينية.
يجب أن تكون هناك خطوات عاجلة لمنع تحول المترد في جنوب تايلاند الى جبهة اخرى من الحرب الكونية، التي يشنها الإرهاب باسم الاسلام ضد الكثير من الدول، ست منها دول مسلمة.
يمكن أن تأتي مبادرة من الرئيس الاندونيسي سوسيلو بامبانغ يودويونو بوصفه رئيس اكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان، وواحدة من القوى الرئيسية في جنوب شرق آسيا.
يمكن ان يوجه يودويونو الدعوة الى متمردي الملايو والمسؤولين التايلنديين الى حوار في جاكرتا، بهدف التوصل الى وقف لإطلاق النار تعقبه مفاوضات. للزعيم الاندونيسي سلطة اخلاقية لاتخاذ هذه الخطوة بسبب نجاحه في إنهاء 40 عاما من التمرد في جزيرة اتشيه. قرر يودويونو، وهو جنرال سابق، عدم لعب دور «الرجل القوي» ومنح سكان اتشيه قدرا كبيرا من الحكم الذاتي، وبعض السيطرة على الموارد الطبيعية لمنطقتهم ، فضلا عن الحرية اللغوية والثقافية مقابل وضع سلاحهم. يمكن ايضا ان ينضم الى المبادرة قادة اتشيه، بحكم علاقاته الطويلة مع متمردي الملايو، في تايلاند.
يمكن ايضا أن تقدم منظمة المؤتمر الاسلامي غطاء دبلوماسيا واسعة لهذه المبادرة. إذ ان تايلاند انضمت الى المنظمة كدولة منتسبة، ويمكن بالتالي ان تقدم أي مبادرة سلام كبادرة ودية من جانبها، بدلا عن فرضها بواسطة قوى معادية.
يجب ان يتخلى ثاكسين عن حلم «دمج» سكان الملايو من خلال القضاء على لغتهم وثقافتهم ودينهم. بدلا عن ذلك يجب عليه رفع حالة الطوارئ التي فرضها منذ عام 2002، وإعادة ولو جزء من الحكم الذاتي الذي ظلت تتمتع بها محافظات الجنوب منذ أواخر عقد التسعينات. مقابل ذلك يجب ان توافق مجموعات الملايو الاربع الرئيسية على التوصل الى قرار رسمي بشأن الاستقلال الكامل، والتفاوض بشأن الحصول على حقوق لغوية وثقافية ودينية للسكان.
تدل كل المؤشرات في جنوب تايلاند على ان قسما كبيرا من قيادات الملايو ترغب بقوة في التوصل الى تسوية سياسية، وترفض استغلال قضيتهم بواسطة الجهاديين الأجانب.
يجب على الولايات المتحدة، التي تعبر اكثر قوة أجنبية مؤثرة في بانكوك، الاهتمام بقضية منع ظهور حرب جهادية أخرى من جنوب تايلاند. وفيما يجب عدم استبعاد استخدام القوة العسكرية في مواجهة الارهاب، من المهم عدم إغفال الدور الذكي الذي يمكن ان تلعبه السياسة في مواجهة التحدي، الذي يشكله الارهاب عالميا.