المغرب: عمق التجربة وخصوصيتها

TT

قضى ادريس بن زكري 17 عاما في السجن، لمعارضته الملك الحسن الثاني. واليوم يقوم هذا الباحث في الشعر البربري والماوي السابق، بمساعدة وريث الحسن الثاني، الملك محمد السادس، على الكشف عن انتهاكات حقوق الانسان في عهد والده الراحل الذي استمر 38 عاما. وقال بن زكري، الذي تماثل تحرياته واستخدامه التربوي لجرائم الماضي الرسمية، عمل لجان الحقيقة التي تشكلت في جنوب أفريقيا والسلفادور والأرجنتين ودول أخرى: «يجب علينا أولا أن نحدد ما حدث حتى نملأ الفراغات في ذاكرتنا الجمعية، حتى نتمكن من التوصل الى مصالحة وطنية. ولكن الملك يدرك أن هذه المسألة يجب ان ترافقها اصلاحات سياسية كبرى لضمان عدم حدوث هذه الأشياء ثانية».

ويبدو أن هذه الاصلاحات يمكن أن تجعل من المغرب نموذجا لمبادرة الرئيس بوش بشأن الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير، وهي الجانب السياسي من «حربه الطويلة» ضد «القاعدة» وفروعها. وإذا ما كان محمد السادس والأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد يمكن أن يقيموا شكلا حديثا ومعتدلا من الحكم المستند الى الاسلام، فإن ذلك لا بد ان يقوض أسس الحركات الجهادية المتطرفة التي هاجمت أهدافا هنا وفي الخارج.

ولكن بن زكري ومسؤولين حكوميين كبارا وزعماء احزاب سياسية التقيت بهم، يرسمون نتيجة مختلفة. فحتى في بلد عربي، حيث يتمتع الاعتدال في السياسة والدين بجذور عميقة، فإن برنامج بوش بشأن عملية دمقرطة سريعة يثير معارضة وارتيابا بسبب صلاته بالوجوه الأخرى من سياسة أميركا حيال الشرق الوسط. وقد يكون امام أميركا الكثير مما يتعين عليها استيعابه من التجربة المغربية.

وتوقع عدد قليل من مواطنيه البالغ عددهم 33 مليونا ان يكون الملك البالغ 42 عاما مثل هذا الشخص القوي القادر على احداث التغيير عندما تولى العرش عام 1999. ويعرف عن محمد السادس، الذي درس في الكلية الملكية الخاصة بالنخبة الضيقة في الرباط، انه خجول الى حد كبير. وهو يكره القاء الخطابات ويكون محرجا عندما يفعل ذلك. وهو لا يجري مقابلات فعلية مع الصحافيين. وجاء نشر تقرير اللجنة النهائي في يناير الماضي حول مراجعتها لما يزيد على 16 ألف قضية، بينها ما لا يقل عن 600 حالة اختفاء وموت سري لنشطاء في السجون، جاء في اعقاب تحفيز من جانب محمد السادس على تحديث قوانين العائلة في المملكة ومنح النساء حقوقا اوسع.

واذا كان هناك معنى اقليمي أوسع في ما يجري هنا، فإنه يتجلى في أن أكبر تغيير سياسي سلمي في العالم العربي يظهر في مجموعة من الدول، حيث الحكام التقليديون ينفذون ديمقراطية من العلى الى الأدنى، تؤكد، شأن الاسلام ذاته، الامتثال الشخصي لغرض أعظم. وتقف دول البحرين والكويت وقطر الخليجية خلف المغرب، ولكنها تتحرك في الاتجاه ذاته. وتبنى الملوك في المملكة العربية السعودية والأردن مزيدا من التحول نحو الحرية. ويقول بن زكري، الذي اطلق سراحه عام 1991 عندما بدأ الحسن الثاني التخفيف من قبضته الاستبدادية، ان «هذا العمل يجب ان يجري من الداخل. نحن لا نتبع نموذج بوش. لقد بدأنا قبل بوش. ولا تجري التغييرات هنا بناء على أوامر من بوش أو شيراك أو أي شخص آخر».

بل ان التماثل مع التغيير الديمقراطي الذي يجري تشجيعه من الخارج ينظر اليه كتهديد من جانب البعض. ويقول سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب التنمية والعدالة، ان «بوش اختار طريقة لا يمكن الا أن تسحق المسلمين المعتدلين». وكان ذلك كلاما سمعته من مقاولين أثرياء وأعضاء في الحزب الاشتراكي وسياسيين، ومسؤولين حكوميين أيضا اثناء جولتي هنا.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)