اليمن وأزمة الزنداني .. جانب من القصة

TT

تزايدت في الآونة الأخيرة الأحاديث عن المطالبة الأمريكية للحكومة اليمنية بالقبض على الشيخ عبد المجيد الزنداني، المتهم بدعم الإرهاب ومساندة رجاله، بحسب وجهة النظر الغربية. يأتي ذلك مع تصاعد وتيرة الأحداث السياسية والعسكرية وبخاصة فيما يتعلق منها بالشأن النووي الإيراني، والصراع الأمني في بلاد العراق بين تنظيم القاعدة بزعامة الزرقاوي، ومختلف التشكيلات الأمنية وبخاصة الدولية، التي لا شك أنها قد أُثقلت قواها ، ولا سيما القوات الأمريكية منها، جراء تلك الحرب الاستنزافية.

بناء على كل ذلك: ما علاقة الشيخ الزنداني بهذه التطورات؟ وما هو الأثر المباشر أو غير المباشر لأزمة الزنداني بهروب أفراد القاعدة المحتجزين في اليمن؟ وما هي حدود الشيخ الحزبية، وحدوده الدعوية من جانب؟ ومن جانب آخر أين يمكن أن تقف حدود الشيخ القبلية ضمن إطار مجتمع تسيطر عليه مقومات ومرتكزات البناء العشائري بوجه عام ؟

لقد مثل الزنداني وابتداءً من عقد الثمانينات وصولا إلى هذه المرحلة عصب الحياة الدينية ذات التوجه السلفي داخل أرجاء اليمن، وكان بمعية الشيخ مقبل الوادعي، المتوفى قبل ثلاث سنوات تقريبا، بمثابة الداعم الرئيسي لخط الحركة السلفية في اليمن، حيث كان وراء تشكل مختلف المدارس الدينية المعروفة باسم «المعاهد العلمية» التي تم دمجها من بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بنظام التعليم العام باليمن، كما دعم مدرسة الحديث بصعدة، التي كان على رأسها الشيخ مقبل الوادعي، ثم كان وراء تأسيس جامعة الإيمان الأهلية بصنعاء، ورئاستها بعد ذلك، وهي المعروفة بتوجهها السلفي البحت، ذلك التوجه الذي ومن بعد حرب الخليج الثانية أخذ في التشكل ضمن سياقات بعيدة كل البعد عن سياقات مشايخها الرئيسيين المشهورين كالشيخ ابن باز وغيره، مما أوجد فجوة كبيرة بين أولئك المشايخ الرئيسيين وبين العديد من الأتباع الذين التبست عليهم الامور، فانساق شطر منهم ضمن مسارات تكفيرية بدأت بالدولة وانتهت بأفراد المجتمع، وهو غاية ما أخذ المسلمون في ملامسة أخطاره خلال نتوءات الصراع الحالية بين تلك الجماعات المنتمية لذلك الفكر التكفيري،.

وعلى الرغم من محاولة المد السلفي في اليمن الركون جانبا خلال ذروة الصراع الدولي بين تنظيم القاعدة وتشكيلاته من أتباع خط السلفية الجهادية، من طرف، ودول العالم من طرف آخر، وعلى رأسها أمريكا، إلا أن البعض كان يعمل على خرق ذلك الركون وفي أوقات محددة بهدف التخفيف من حدة الصراع وقوة الضغط على رفقائهم في منطقة أفغانستان أو العراق، عبر عدد من العمليات العسكرية التكتيكية «الناجحة» بوجه عام، التي تنبئ عن حجم وقوة ذلك المد في أركان اليمن بوجه خاص.

لقد استفاد السلفيون الجهاديون في اليمن من تبعات الحرب الدائرة بين حركة الشباب المؤمن بزعامة الحوثي والحكومة اليمنية بالشكل الذي يصب في تكثيف قوتهم على الصعيد الداخلي وبعيدا عن التشكيلات التقليدية في اليمن، سواء كانت عشائرية أو حزبية، وحتى دينية تقليدية، شافعية أو زيدية، وهو ما يمكن أن نستشفه من حادثة هروب مجموعة القاعدة المحتجزين في اليمن، لاسيما إذا ما أدركنا أن اليمن بطبيعته وتكوينه وقبل ذلك بتاريخه يشكل بلدا مفتوحا على كل الاحتمالات والنتائج.

هذا جانب من خلفيات المشهد في اليمن الآن، بعد ازمة المطالبة بالزنداني، وهروب افراد القاعدة، والمشهد مفتوح على احتمالات وتطورات اخرى.

* كاتب سعودي

مهتم بالشؤون اليمنية

[email protected]