كنا هناك ولا ننسى!

TT

أول فيلم حضرت تصويره لم أفهم ما هذا الذي أراه، قد كان ذلك في حديقة الأسماك في الزمالك، وجدت السيدة عقيلة راتب والسيد عماد حمدي قد تمددا على العشب متجاورين وتسلطت عليهما الأضواء القوية، وكاميرا تقترب منهما، وفي ذلك الوقت كنت طالبا في الجامعة، ولم أكن قد دخلت السينما ولا رأيت فيلما، فأنا لم أدخل السينما إلا بعد أن تخرجت في الجامعة، وبعد عشرين عاما قامت عقيلة راتب بدور البطولة في مسرحية (حلمك يا شيخ علام) ومسرحية (جمعية كل واشكر) ومسرحية (مين قتل مين؟) وكلها من تأليفي!

ثم رأيت فيلم (الوصايا العشر) إخراج سيسل دي ميل وكان يقوم بتصوير خروج اليهود من مصر بالقرب من الهرم، ورأيت كيف تكون الدقة والانضباط الشديد، فقد أعاد تصوير أحد المناظر التي تكلفت اكثر من مليون دولار، فقد أظهرت الكاميرا أثار السيارات على الرمال، وقد رأيت هذا الفيلم مرتين، مرة في بروكسل ومرة في سيدني باستراليا، وفوجئت بعد عودتي أن سألني الخادم إن كنت قد رأيته وهو واحد من الوف اليهود الذين أخرجوا من مصر؟

وفي مدينة (نيوكاسل كوم) بإنجلترا دعيت لمشاهدة تصوير مناظر فيلم (دكتور دولتيل) بطولة ركس هاريسون، وكان المنظر هو محاولة أن يتحدث إلى الأوز، وقد ربطوا الأوز بالأسلاك فإذا تحدث اليها شدوها فتهتز رؤوسها ناحيته، ولم تفلح كل المحاولات في أن يلتفت إليه الأوز، وقد اكتشف الباحثون أن الأوز لا تسمع وانما هي تتحرك وفقا لما تراه!

وقد استغرق تسجيل هذه الحادثة الصغيرة أياما مع أنها منظر على الشاشة لمدة دقيقتين!

ورأيت تصوير فيلم (كليوباترة) في الإسكندرية بطولة ريتشرد برتون واليزابيث تايلور، وكان هذان النجمان في ريعان الحب واتون العشق وحديث الدنيا وكلاهما إنجليزي وكان هو في غاية الانضباط رغم الخمر الكثيرة التي يشربها طوال الليل والنهار، أما هي فعلى مهلها جدا، إذا نامت وإذا صحت وبين النوم واليقظة في حاجة إلى من يدلك قدميها وذراعيها، وحولها أوركسترا من الذين يتغنون بجمالها ودلالها، وليس على المخرج وكل المصورين إلا أن ينتظروا ست الحسن والجمال.

ودعيت لمشاهدة مشهد دخول كليوباترا روما، لقد كان وصولها قمة الأبهة والفخامة والعظمة، إنها ملكة مصر سلطانة العشق والغرام التي أحبت وأهلكت عشاقها ثم انتحرت ، هذا المشهد أعيد تصويره وتكلف مليوني دولار لماذا؟ لأن كليوباترا وهي في عربتها في قمة الفخامة قد غمزت بعينيها لحبيبها برتون فكان لا بد من إعادة تصوير المشهد كله!

وقد سجلت كل ذلك أخيرا في شريط للمجلة التليفزيونية: كنا هناك!