تعمين المطبخ الفرنسي

TT

تجري في عموم منطقة الخليج جهود لاحلال العمالة الوطنية محل العمالة الاجنبية. فبدونها ستتسرب الثروة الوطنية للخارج. يسمونها في المملكة العربية السعودية بالسعودة وفي الكويت بالتكويت وفي عمان بالتعمين وفي العراق بالعقررة. والعقررة هي احلال الارهابيين المحليين محل الارهابيين الاجانب، واحلال المختلسين الوطنيين محل المختلسين الأميركان.

ولكن العمانيين سلكوا في عملية التعمين مسلكا لوذعيا. انهم لا يستغنون عن العامل الاجنبي، حتى يتعلموا منه ما يميز عمله. هكذا نجد في المطاعم والبيوت العمانية كثيرا من الاطباق الهندية والاندونيسية. لقد اقتبسوها من الشغالين الاجانب واضفوا عليها النكهة العمانية. وقد وجدت اثناء زيارتي لهذا الفندق العجيب، قصر البستان، عجيبة من عجائبه، وهي انهم في محاولتهم لنقل ما يسمى بالمطبخ العالمي اوت كوزين، من ايادي الطباخين الاوربيين الى الايادي العمانية، بعثوا بمواطن عماني، السيد فؤاد الهنائي الى مدينة جورا في فرنسا ليلتحق بالمؤسسة الشهيرة في عالم الطبخ والاكل، شاتو دي جيرمني ليتعلم فيها فن الاوت كوزين على يد امهر الطباخين في العالم. قضى السيد الهنائي دورة دراسية هناك يأكل لذائذ المطبخ الفرنسي ويتعلم كيف يصنعها. وبعد ان اتقن حرفته، لم يفعل ما يفعله اي عراقي موهوب ويطلب اللجوء السياسي، بل عاد الى وطنه. وفي مطبخ قصر البستان قام بما لم يقم به اي طباخ آخر، وهو تطوير اكلات الاوت كوزين والكوردون بلو الفرنسية، بحيث تنسجم مع المحيط العربي الاسلامي. بعبارة اخرى قام فؤاد الهنائي، بتعمين المطبخ الفرنسي وكان ذلك دافعا كافيا يحملني لزيارة ذلك الفندق وتناول عشائي فيه وتجربة الاطباق الفرنسية الكلاسيكية المعمننة. قدمتها لي صبية عمانية في غاية الحسن وظرف المحيا، فلم اعرف ايهما امتع للنفس، حسن الطعام أم حسن القوام.

بيد ان العمانيين لم يسلبوا من الفرنسيين اطباقهم فقط، تعلموا منهم صناعة العطور ايضا وعمنوها، جاءوا بخبير فرنسي من المتضلعين في شم العطور، غاي روبرت، طلبوا منه تطوير عطر جديد يتصمن في انفاسه انفاس عمان، بلبانها الشهير وزهورها العجيبة. قالوا له خذ ما تشاء من الوقت ومن الاجر ومن الكلفة، واخرج بعطر يقدمه الخطيب لخطيبته بدلا من الماس واللؤلؤ والمرجان. عطر لا يحد اسعاره سقف، رأيت بعض منتجاته في المتاحف ودور العرض فحسبت خطأ قد وقع في كتابة السعر! وكان الخطأ فيَّ وليس في بطاقة السعر.

دخلت المخزن لأتحقق من الأمر. سألت البائعة: ابغي قنينة صغيرة لزوجتي، بحلقت في وجهي بدهشة واستغراب ولسان حالها يقول: هذا عطر لا يشتريه الرجال لزوجاتهم، ولكنني حملت عينة منه لأم نائل. فتحتها واستنشقتها ولأول مرة في حياتي وحياتها استحسنت هدية جئتها بها.

قيل ان الرجل السعيد هو من يتزوج يابانية ويأكل الطعام الصيني ويسكن الريفيرا الفرنسية. اضيف اليها ركنا رابعا فأقول ويشم العطر العماني. افعل ذلك لمجرد ان اقول انني قد حققت على الاقل ركنا واحدا من اركان السعادة.