الثلاثاء الأسود !

TT

سيسمونه الثلاثاء الأسود، وذلك لوصف أحداث وتداعيات ما حدث في البورصات الخليجية ومصر من انهيار حاد للأسهم بشكل هستيري. وما حدث كان بمثابة كرة الثلج التي تتدحرج من الأعالي ويكبر حجمها وتزداد سرعتها، ومع ذلك كان هناك من يحاول إنكار وجودها أصلا. والآن هناك اعداد هائلة من المتضررين من جراء ما حدث، وباتت التكلفة الاجتماعية عنصرا مهما في تقييم ما حدث. وهو أمر لا يمكن تلطيف وصفه أو التحري في المفردات المستخدمة لذلك، سوى بإطلاق وصف اسم ازمة عليه. وبالتالي سوف يكون مهما جدا مراجعة أسلوب التعامل مع هذه الأزمة وكيفية ادارتها.

ستبقى الاسئلة بغير اجابات لفترة غير قليلة، فالصمت المطبق الذي حدث من قبل الجهات التنفيذية المعنية «لطمأنة» المتعاملين ولا نقول «تدخل». فوزير البترول والثروة المعدنية لم «يتدخل» بعد حادث أبقيق الارهابي، حينما خرج للملأ وعلى الهواء «لطمأنة» العالم بأن السعودية قادرة على توفير الكميات المطلوبة من البترول وحماية منشآتها. وكان لهذا التفاعل السريع والاسلوب الحضاري والوقع الايجابي على الأسواق وعلى منظومة الثقة مع وزارة البترول والثروة المعدنية التي لها باع طويل من احترام المتلقي، والتواصل مع الاعلام على عكس غيرها. ورأينا حجم وثقل التأثير السعودي على الأسواق وكيف أن خروج الأموال السعودية من بورصات الأردن والكويت والامارات ومصر كان له الأثر السلبي جدا على تلك الأسواق، فبات واضحا وبالدليل القطعي أن الاخفاق في التعامل المباشر والسوي في مشكلة ما سيكون أثره سلبا على مناطق أخرى وبشكل سريع.

ما حدث للسوق السعودي خلال الأسابيع الثلاثة هو أمر «غير طبيعي». وبالتالي لا يمكن التعامل معه على أنه أمر عادي ويحدث في مناطق مختلفة من العالم، وإن اقتصادات العرض والطلب وقوانين السوق وروح الرأسمالية تحتم عدم التدخل: هذه جميعا أقاويل تتردد حينما يكون الوضع «طبيعيا» ويكون ما حدث من انهيار هو جراء قرارات كبرى، أحداث هامة، نتائج مالية، تغييرات سياسية، الى آخر تلك الاحداث المحتملة. أعداد غير مسبوقة من المتداولين من كافة طبقات المجتمع، وعي وثقافة استثمارية يجري تكوينهما بشكل واضح، وجود سيولة غير عادية متوفرة للشراء. طبعا هناك العديد من مكامن الخلل الموجودة بالسوق التي كان من الممكن أن تخفف من حدة الأزمة، ومن الضروري التمعن فيها بشكل دقيق منعا لتكرار نفس المآسي وبنفس التكاليف. توسيع قاعدة المكتتبين هو أمر في غاية الأهمية للإقلال من حمى المضاربة، وبالتالي عدم الاعتماد على سقف الثلاثين في المائة كحد أقصى لنسبة الاكتتاب العام وتحويل ذلك الى خمسين في المائة، وتأسيس الفكر المؤسسي للتواصل الاعلامي والمعلوماتي ما بين الجهات المالية والاقتصادية مع العامة، لأنه وبدون ذلك ستشكل التربة الخصبة لنمو الشائعات وانتعاشها وتوجيهها لمصالح معينة. كل وضع (أيا كان شكله مأساويا) له مستفيدون، حتى في وضع مثل السوق السعودي هناك مستفيدون مما يحدث. ولكن يبقى الضرر الذي حدث أكبر وأخطر. المؤشرات والقواعد الاقتصادية للسعودية والخليج بألف خير، إذ لا توجد علامات خطيرة أو تم الاعلان عن قرارات بعينها تستدعي هذا الهبوط المحموم الذي حدث. وبالتالي مرة أخرى يجدر القول إن ما حدث هو أمر «غير طبيعي» وعليه فالمفروض ومن البديهي أن يتم التعامل مع كل ذلك بصورة استثنائية بلا تعالٍ وانكار وطرح تنظيري. الشح والتسيب في المعلومة وضعف الشفافية واستمرار السماح بهيمنة المصارف على الاكتتاب والتداول والمضاربة والاستثمار في سوق المال، ومن ثم (خلق مناخ مريب يسمح لموظفي المصارف وهم بالآلاف أن يكونوا محركين للسوق بشكل مواز مقلق). القيادة السياسية لديها رغبة صادقة في اصلاح سوق الأسهم، ولكن الأسلوب الاداري المتبع من قبل الجهات المسؤولة عن ذلك بحاجة لمراجعة جادة جدا.

[email protected]