خطوة بحرينية استكمالا للمؤسسات الدستورية

TT

عقدت لجنة تفعيل ميثاق العمل الوطني، التي أنشأها رئيس وزراء البحرين الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، اجتماعها الأول يوم الأربعاء الماضي، 11 أبريل (نيسان)، برئاسة ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد. واللجنة أنشئت لضمان تفعيل مبادئ وأهداف الميثاق الذي صوّت عليه البحرينيون في استفتاء عام يومي 14 و 15 فبراير (شباط) الماضي. ويهدف ميثاق العمل البحريني إلى إعادة البلاد إلى الحياة النيابية، حيث ستجرى انتخابات برلمانية قبل نهاية عام 2003، كما يهدف إلى وضع المؤسسات الدستورية واستكمال الإصلاحات الإدارية لتأكيد الفصل بين سلطات الدولة الثلاث، السياسية والتشريعية والقضائية.

وتتضمن أعمال اللجنة قائمة كبيرة تتصدرها رفع توصيات لرئيس مجلس الوزراء بكيفية إنشاء ديوان المراقبة المالية والإدارية، وإنشاء المحكمة الدستورية ومراجعة تابعية الادعاء العام وقانوني الطبع والنشر والجمعيات الأهلية. كما يتضمن تقديم تصورات للنهوض بالاقتصاد البحريني في ظل أجواء التفاؤل الوطني والاستقرار السياسي الذي تشهده البحرين، منذ أن اصدر أميرها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة عفواً شاملاً في مطلع فبراير عن المعتقلين السياسيين كافة، والسماح بعودة الموجودين في الخارج دون قيد أو شرط، وفي ظل ما تشهده البحرين من ندوات وحوارات فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية طالت كل جزئية من جزئيات البلاد، وشارك فيها مختلف التيارات السياسية البحرينية من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، وقوى إسلامية وعلمانية.

وكان لقرار أمير البلاد بإنشاء هذه اللجنة المكونة من اثني عشر عضواً صدى واسع في أوساط المجتمع البحريني، الذي رأى فيه مقدار الجدية في الإصلاحات الأخيرة، ومصداقية لنيّة الحكومة في المضي قدماً في هذه الإصلاحات. وكان الشيخ حمد قد أجّل استكمال الإعلان عن الملكية الدستورية، على الرغم من التصويت الكاسح عليها من قبل المواطنين، حتى يتم استكمال الإجراءات في عودة الحياة النيابية. والذي يبدو واضحا، أن أجواء الثقة غير المسبوقة التي تعيشها البحرين، هي في طريقها للتعمق من خلال خلق دولة المؤسسات والنظم، لضمان استمرارية الإصلاحات السياسية ونموّها لمعالجة تركة ربع قرن من الاحتقان السياسي في هذه الجزيرة. ويسود البحرين جو من التفاؤل بأن انتهاء الأزمة الداخلية، وانتهاء الخلاف الحدودي مع قطر بحكم محكمة العدل الدولية في لاهاي في 16 مارس (آذار) الماضي، بأن جزر حوار ستبقى بحرينية، وما يعنيه ذلك من احتمال التكامل أو التعاون الاقتصادي بين الدوحة والمنامة، يضع البلاد على الطريق الصحيح نحو الاستقرار السياسي الدائم والازدهار الاقتصادي.

ولعل الجانب الاقتصادي ينال أهمية كبيرة لدى القيادة البحرينية والشعب البحريني على حد سواء، نظراً لمحدودية الموارد البترولية للبلاد، ولوجود ما لا يقل عن %10 من القوة الوطنية العاملة معطّلة. من هنا، فقد أقرت لجنة تفعيل الميثاق في اجتماعها الأول، أن من أول اهتماماتها وضع خطة سريعة لحل مشكلة العاطلين، التي تمثل هاجساً إنسانياً وسياسياً، بالإضافة إلى كونها معطّلا لطاقة بشرية وطنية كبيرة. ومع أن البطالة هي أحد ملامح أي اقتصاد حر حديث في يومنا هذا، إلا أن غياب مظلّة الرعاية الاجتماعية المنظمة للعاطلين وأُسرهم، ووجود نسبة كبيرة تصل إلى الثلث من الأجانب في القوة العاملة، التي تقدر بـ 300 ألف نسمة، يعتبران من العوامل الضاغطة على الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.

ولا يخفي قادة البلاد، لا سيما الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد، اهتمامهم بهذا الأمر الحسّاس، واهتمامهم بتطلعات المواطنين الذين أعطوا أصواتهم للميثاق الوطني، وهم بالتالي يتطلّعون للجنة، التي ضمّت وزراء ومحامين ومواطنين من خارج السلطة، كي تستفيد من الكفاءات البحرينية المتوفرة من خلالها وعبر اللجان الفرعية، لتقديم توصياتها للحكومة في كيفية الخروج من معضل تزايد نسبة العاطلين عن العمل.

ويرى بعض المراقبين للحالة السياسية البحرينية، وبعض كتّاب الأعمدة في صحافتها، أن اللجنة في وضع حساس جداً، يتطلب جهداً كبيراً من أعضائها لكي تنجح في مساعدة مجلس الوزراء في هذا المجال بالذات، والذي حسب رأي هؤلاء، لا يحتمل الكثير من التأخير. كما يرون أن مسألة نجاح هذا الأمر، وغيره من أهداف ميثاق العمل الوطني، لم تعد مسؤولية الحكومة فقط، بل ان اللجنة باتت الآن في نظر الشارع البحريني مسؤولة أمامه لمساعدة رئيس الوزراء بتوصياتها المدروسة ومتابعتها المستديمة للأجهزة المختلفة للحصول على أفضل ما يمكن بعد تحقق الاستقرار السياسي وانتهاء الخلاف مع قطر.

ورغم أن تنشيط وتطوير الحياة الاقتصادية، لا سيما أن حكم محكمة لاهاي وقبول الطرفين به كحل نهائي لنزاعهما، سيسمح للمنامة بأن تستثمر جزر حوار سياحياً وتجارياً واستثمار مياهها وما في باطنها من نفط وغاز ومصائد أسماك للنهوض بالاقتصاد لاستيعاب متطلبات المستقبل بما في ذلك توفير من خمسة إلى ستة آلاف وظيفة جديدة سنويا، على الرغم من ذلك، فإن البعض يرى أن هذه الأهداف المتوسطة والبعيدة المدى، ليست بديلا عن تحرك سريع لوضع خطة لمواجهة ظاهرة البطالة والمظاهر التي يمكن أن يؤدي استمرارها لبروزها على الساحة من الآن حتى قيام المجلس الوطني المنتخب، إذ ان اللجنة وحتى ذلك الحين ستمارس دور فريق العمل التشريعي لمعاونة الجهاز الإداري، والذي يتوقع أن يطعم قريبا بوجوه جديدة ضمن تغييرات وزارية واسعة تتداولها صالونات السياسة البحرينية هذه الأيام.

اللافت للنظر، ان اللجنة خرجت عن التقليد المتعارف عليه في المنطقة بالموافقة على عقد مؤتمرات صحافية مع رجال الإعلام في البلاد ومن خارجها، لمناقشة ما تتفق عليه من توصيات مرفوعة لرئيس الوزراء، كما أن لأعضائها حق التحدث للصحافة والإعلام دون الرجوع للجنة، بالإضافة إلى النية لوضع قنوات اتصال مع المواطنين البحرينيين لإشراكهم في عمل اللجنة.

ويعوّل الكثير من الشباب البحريني على ما يتمتع به ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد من ادراك لمتطلبات المستقبل ومكانة في دوائر صنع القرار، وكونه رئيسا للجنة ويحضر اجتماعات مجلس الوزراء، أن يتولى نقل مشاعر وأفكار اللجنة والشارع البحريني إلى مجلس الوزراء بضرورة ليس باستكمال المؤسسات الدستورية التي نص عليها ميثاق العمل الوطني فحسب، بل والقيام بوضع الخطط الكفيلة بتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء بدءا بتشغيل العاطلين عن العمل، ووضع ما يمكن تسميته بشبكة سلامة من الرعاية الاجتماعية والمادية للعاطلين حتى يتم ادخالهم سوق العمل.

* كاتب بحريني