الشعراء في إخوانياتهم

TT

الشعراء كانوا قد قالوا «والجواري يغرهن الثناء»، ورغم ان السيدة متيل لم تكن بأي وجه من الوجوه واحدة من الجواري، فان كلمات الشاعر تصدق تعميماً على كل النساء، او فالأقل معظم النساء وأتقي شرهن، فهكذا طمعت بالمزيد من مديح الشاعر الياس شبل الخوري، صديق الدكتور يوسف حتي الذي كان يعمل خلال الحرب العظمى في المستشفى التركي في دمشق. وهناك تعرف الى عائلة تضم بين أفرادها فتاة في غاية الحسن والجمال. يظهر انه وقع في حبها ولكنه لم يكن شاعراً ليجعل القريض مطيته اليها. فلجأ الى ما يلجأ اليه الكثير من العشاق، وهو أن يطلبوا من صديق شاعر ان ينظم شيئاً لهم غزلاً وتوسلاً بها.

وهو ما فعله الدكتور يوسف. كان في طريقه الى شملان فعرج على مدرسة الجامعة الوطنية بهدف واحد، وهو زيارة صديقه الشاعر. فطلب منه ان ينظم له بيتين غزلا في تلك الفتاة. فسأله الياس الخوري وما هو اسمها. قال له اسمها متيل. عاد فسأله واين تسكن؟ قال له بيتها في حي اسمه «بيت المصلى». قال له على العين والرأس. اذهب في طريقك الى أهلك في شملان ومر علي عند رجوعك الى دمشق. فعل ذلك وعاد مروراً بصاحبه فوجد وريقة وعليها هذان البيتان:

ومتيل في ارض الشا...

...م إله حسن قد تجلى ولذلك سمى الناس مد...

خل بيتها باب المصلى حمل الورقة وراح يركض بها جذلاً الى موضع حبه واعجابه. ولكنه فعل اكثر من ذلك فنشرها مسبقاً في مجلة «الاقلام» الدمشقية للأستاذ عبد الله النجار. قرأتها متيل فقالت للدكتور يوسف حتي لدى الالتقاء به: «حقاً انه وصف رائع. ولكن صاحبك الشاعر ما وصف حسن أخلاقي مثل ما وصف جمالي!».

ألم أقل؟ طمعت بالمزيد. فانتهز الدكتور زيارة أخرى الى شملان ونقل ما قالته للشاعر الياس شبل. فنظم لها هذين البيتين:

لقد عتبت اني وصفت جمالها ولم آت في وصف بذكر خلالها فدلّت على طيب الخصال بعتبها وهل عتبت إلا لحسن خصالها؟

عاد بالبيتين الدكتور العاشق فعرج على بيتها وأراها ما كتبه الخوري. فقالت: هذا شعر جميل يهزني يا ليته زادني من روعة ما يقول. عاد الدكتور بالطلب الى صديقه لينقل له ما قالت متيل. اصبح الرجل من حيث لا يدري مجرد بوسطجي، او قواداً لأهل الهوى رغماً عنه. عاد اليها بعد أيام بهذين البيتين الجديدين من أخيه الياس:

متيل لا تطلبي مني المزيد على ما قلت في وصفك من غير مرآك والله لو اجمعت أهل القريض على وصف المحاسن أعيا الكل بيتاك! أما وقاحة! اصبح يريد موعداً منها. ولكن صاحب الرواية لم يزد ويقل ماذا حدث. وعلى كل، فأرجو ان يكون الدكتور حتي قد وعى مكامن الخطر من مثل هذه المرأة التي لا ترضى بالقليل.