تعيينات خطرة

TT

تم تعيين دوجلاس فيث وكيلا لوزارة الدفاع الاميركية للشؤون السياسية. وهو واحد من اكبر اربع مناصب في وزارة الدفاع، ويتولى من يشغل هذا المنصب مسؤولية «جميع القضايا المتعلقة بصياغة سياسة الامن القومي والدفاع وتوحيد والاشراف على سياسة الوزارة وخططها»، ومن ضمن مسؤولياته، طبقا لوزارة الدفاع، ما يلي:

ـ تطوير السياسة بخصوص سلوك الحلفاء والعلاقات الدفاعية مع الحكومات الاجنبية، ومؤسساتها العسكرية ومنظماتها الدولية.

ـ تطوير، وتنسيق والاشراف على تطبيق استراتيجية وسياسة امن دولية في قضايا تتعلق بالحكومات الاجنبية ومؤسساساتها الدفاعية.

ـ الاشراف على نشاطات الوزارة المتعلقة بنقل التكنولوجيا الدولية.

انه منصب قوي ذو تأثيرات كبيرة. وتعيين فيث مسألة تثير الكثير من القلق.

تجدر الاشارة الى ان فيث عمل لفترات طويلة في الحكومة والقطاع الخاص. ففي عهد ادارة ريغان كان يعمل في مجلس الامن القومي وفي وزارة الدفاع كمساعد لنائب وزير الدفاع لشؤون المفاوضات. كما خدم ايضا كمستشار خاص لريتشارد بيرل، الذي كان يشغل آنذاك منصب مساعد وزير الدفاع. ودوجلاس فيث يعمل محاميا في «مكتب فيث وزيل» للمحاماة في واشنطن. وتشير سيرته الذاتية الى انه متخصص في «نقل التكنولوجيا والمشاريع المشتركة والاستثمارات الاجنبية في الصناعات الدفاعية والفضائية».

وعلى الجبهة السياسية، يرتبط فيث بمدرسة الحرب الباردة (المحافظون الجدد) في التفكير. والامر المهم هو مدى تطبيق فيث لافكار المحافظين الجدد على الشرق الاوسط. ففي الوقت الذي يقسم فيه زملاؤه من انصار الحرب الباردة العالم من منطلقات ايديوليجية ثنائية ـ قوى الخير المطلق تواجه قوى الشر المطلق ـ فإن فيث يحدد الصراع العربي ـ الاسرائيلي من منطلقات مماثلة.

وفيث كاتب غزير الانتاج. وهناك الكثير من الانتقادات والدراسات المعادية للعرب وضد هؤلاء الذين يَتَحَدون، او يسعون الى التشكيك في قوة اسرائيل، او كما يصفها هو «التفوق الاخلاقي» على العرب.

ومثلما كان الامر في صراع الحرب الباردة ضد الشيوعية، فلا يوجد، في رأي فيث، مكان للتوازن بين اسرائيل والعرب. وبما انه حدد صراع الشرق الاوسط في مصالح مطلقة، فإن البديل الوحيد لاسرائيل هو مواجهة اعدائها العرب حتى تتم هزيمتهم، وهو الامر الذي يتحقق في رأيه، عندما يستسلمون ويقبلون شرعية اسرائيل وسيادتها على كل فلسطين.

وبما ان اسرائيل تمثل «الخير» و«قيمّنا» في رأي فيث، فمن الضروري على الولايات المتحدة الوقوف الى جانب اسرائيل في صراعها ضد قوى «الظلام»، اي العرب. ويعني هذا منح اسرائيل قوة عسكرية متفوقة ودعما سياسيا. ويعني ايضا ان على الولايات المتحدة ألا تضغط على اسرائيل ابدا سواء لتسليم اراض او لتعريض سيطرتها في المنطقة للخطر.

وخلال حياته العملية كلها كان فيث يعبر عن افكارا مماثلة. ففي السبعينات على سبيل المثال انتقد جهود الرئيس كارتر في كامب ديفيد لتحقيق سلام شامل، وهو المفهوم الذي اعتبره خاطئا لانه تطلب من اسرائيل إضعاف نفسها بتسليم «يهودا والسامرة» الى العرب. وكان منطق فيث هو:

ـ ليس للعرب حق قانوني في فلسطين.

ـ الفلسطينيون ليسوا «جماعة قومية» وبالتالي ليس لهم مطلب خاص في يهودا وسامرة.

ـ الاردن هو الدولة الفلسطينية للعرب.

ـ لا تجب ممارسة اية ضغوط على اسرائيل بخصوص بناء المستوطنات في يهودا والسامرة، بما ان من حقها ذلك.

ويصف فيث من هذا المنطلق فكرة «ان جوهر الصراع العربي ـ الاسرائيلي هو قضية اللاجئين الفلسطينيين» بأنها خدعة عربية غاية في الذكاء تهدف الى إضعاف اسرائيل.

وبالنسبة له فإن اعتراض العرب على الصهيونية هو جوهر الصراع، وان الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي العربية المحتلة لن يحل المشكلة، بل حل المشكلة يتلخص في قبول العرب بإسرائيل! لقد استمر فيث خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات في انتقاد أي سياسة أميركية خارجة عن إطار وجهة نظره. فقد انتقد إدارة بوش (الاب) على حرمان إسرائيل من ضمانات قروض، كما انتقدها في الضغط على حكومة شامير لحملها على حضور مؤتمر مدريد. وهناك نصيحته لإدارة بوش عام 1991 التي عكست توصياته السابقة للبيت الأبيض خلال عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر. فقد اقترح ان تطالب الحكومة الأميركية العرب بالتخلي عن شعار «الأرض مقابل السلام» الذي يعتبره الإسرائيليون المتشككون برنامجا لتفكيك دولة إسرائيل على مراحل. كما اقترح كذلك ان يطلق العرب اسم فلسطين فقط على الضفة الغربية.

وخلال إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون استمر فيث في معارضة أي اتفاق عن طريق التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أي اتفاقيات أوسلو والخليل وواي ريفر. وفي وقت سابق وصف اتفاق أوسلو بأنه «تنازل» أحادي الجانب من طرف إسرائيل، وانه اتفاق ضخّم تطلعات الفلسطينيين. المثير للاهتمام هو اعتراضه على اتفاقي الخليل وواي ريفر لان رفيقه بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق هو الذي وقع عليهما.

كتب فيث عام 1996 مع ريتشارد بيرل ورقة نصح لبنيامين نتنياهو، زعيم الليكود المنتخب آنذاك كرئيس لوزراء اسرائيل، اقترحا فيها الابتعاد التام عن عملية السلام والتأكيد على مطالبة إسرائيل بأراضيها ورفض صيغة «الأرض مقابل السلام» كأساس للسلام وتعزيز دفاعات إسرائيل حتى تصبح في وضع أفضل لمواجهة سورية والعراق، وتأسيس علاقة جديدة أكثر متانة مع الولايات المتحدة قائمة على الاعتماد على النفس والمصلحة المشتركة.

وشعر فيث بخيبة أمل عميقة عندما قبل نتنياهو أساس اتفاق أوسلو ووقع اتفاقين إضافيين مع الجانب الفلسطيني نصا على تسليم المزيد من الأراضي. وعاد فيث عام 1997 إلى جذوره المحافظة عندما كتب ورقة بعنوان «استراتيجية لإسرائيل» ذكر فيها ان صيغة «الأرض مقابل السلام» لا تعدو ان تكون حيلة الغرض منها إضعاف إسرائيل. ويعتقد ان الحل الوحيد أمام إسرائيل هو رفض اتفاقية أوسلو و«إعادة صياغة سياسة أمنية واستخباراتية فاعلة في الأراضي الخاضعة للسيطرة الفلسطينية»، أي إعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن رغم هوسه الواضح بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي، كتب فيث حول عدد من المواضيع الأخرى ذات الصلة بالشرق الأوسط، غير ان الطاغي على كتاباته هو موقفه المساند لإسرائيل والمعادي للعرب. لقد أدان فيث السياسيين الأميركيين بدعوى النأي بأنفسهم عن إسرائيل سعيا لكسب جانب الدول العربية المنتجة للنفط. وهو ساهم كذلك في ورقة استراتيجية تقترح ضمن خيارات أخرى قيادة الولايات المتحدة لحملة على نمط تحرير الكويت لإخراج القوات السورية من لبنان، كما انه من أقوى المؤيدين في واشنطن لـ«قانون تحرير العراق».

ان ارتباطات فيث السياسية اثارت المزيد من المخاوف. ففي السنوات الأخيرة ظهر بصورة مستمرة في نشاطات «منظمة أميركا الصهيونية» المعروفة بعدائها للعرب وللسياسيين الأميركيين المقربين من العرب، كما تهاجم المنظمة كذلك اليهود الأميركيين الذين لا يتفقون مع خطها المتطرف المؤيد لليكود.

إن فيث حر في الآراء التي يحملها وفي ارتباطه بهذه الجهة أو تلك، غير ان هناك أسئلة غاية في الأهمية يجب ان تطرح حول مدى أهلية شخص يحمل مثل أفكاره للعمل في موقع حساس في وزارة الدفاع، فهو معروف بانحيازه المتطرف ضد العرب، لذا فان عمله في موقع حساس كمهندس رئيسي للسياسة الدفاعية قد تكون له عواقب خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة وعلاقاتها مع العالم العربي بكامله.

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن