عالم عبادة الدولار

TT

يسعى احباء صدام حسين الى اعادة الاعتبار له بذكر اي صفة او فعلة جيدة تفتق عنها. فكرت انا بدوري في هذا المسعى وكان ما توصلت اليه هو ان صدام حسين كان الرائد لهذا العالم الجديد الذي نعيش فيه الآن، عالم عبادة الدولار. العالم الذي يضحي فيه الانسان بأي شيء من القيم والمبادئ والمعتقدات من اجل الثروة. يرى الكثيرون ان كل هذه السرقات والاختلاسات والتهريبات وعمليات الخطف الجارية في العراق هي امتداد للفساد الذي نشره صدام حسين. هذا صحيح الى حد ما. ولكنه في الواقع امتداد للظاهرة العالمية التي شاعت منذ انتصار الرأسمالية في الحرب الباردة. لا يمر الآن يوم دون ان نسمع فضيحة فساد ارتكبها احد الساسة او الوزراء او احد ذويهم في العالم.

ما كان يحدث في بريطانيا بين الحين والحين هو فضيحة جنسية يقع فيها احد قادتهم، مثل فضيحة بروفيوسو. ولكنني لم اسمع عن فضائح مالية يرتكبها المسؤولون. اصبحنا نسمع عن ذلك الآن بوتيرة مستمرة. ينبغي تغيير مقولة لنين «الاستعمار اعلى مراحل الرأسمالية»، الى «الفساد اعلى مراحل الرأسمالية».

تقود أميركا هذه المدرسة. ففيها يجري تقييم الانسان حسب ما كسبه من ثروة. الثراء وليس الفضيلة او الخدمة هو المعيار. المثال الاعلى للانسان هو الفقير المعدم الذي يصبح مليارديرا في سنوات قليلة. الشرط الوحيد هو ان ينجز ذلك بدون الوقوع في طائلة القانون. وهناك الآن شركات كبيرة وخبراء بارعون يعلمون الانسان كيف يلتف على القانون.

الكسب والاثراء هو القوة المحركة التي دفعت العالم الحديث نحو تحقيق كل هذه العجائب التكنولوجية والعلمية واعطت الانسان الغربي كل هذا الرخاء والتفوق. ولكنها في رأيي اخذت في المرحلة الراهنة، مرحلة ما بعد الاشتراكية تقتل الفضائل والقيم التي تميز الانسان عن الحيوان. تواجه بريطانيا بصورة خاصة الآن انفاس هذه الريح القاتلة، التي بدأت بالثاتشرية ثم الآن البليرية. سعى كلاهما الى التخلص من الاسس الاشتراكية والقيم الاجتماعية واستبدالها بقيم السوق. اهلا وسهلا بكل ما يمكن بيعه وشراؤه في السوق.

واجهت ثاتشر اعتراض حزبها على هذا النهج واسقطوها في النهاية. ويواجه بلير معارضة مشابهة من انصار القيم الاجتماعية التقليدية لحزب العمال ويستنكرون منه امركة البلاد، تقليد أميركا في كل شيء والجري مع السياسات الأميركية. ربما يتوقون الى اسقاطه في النهاية ولكن قيمه ستبقى تحكم الساحة. سيبقى انسان ما بعد الاشتراكية يجري وراء الترف والاسراف والتملك والاستهلاك. أي وراء الثروة وعبادة الدولار، مع كل ما يترتب على ذلك من قتل العدالة وتدمير البيئة ونشر الفساد والجريمة والدعارة. نظام صدام حسين اعطانا الصورة الكاريكاتيرية، او السريالية المخيفة لهذا المجتمع المجرد من القيم. لقد كان الرائد له. وما يجري في العراق الآن حلقة بشعة من نفس المسلسل، مسلسل عبادة الفلوس.

لماذا فشلت الاشتراكية؟ لقد فشلت لانها تعاملت في اطار نفس القيم الرأسمالية. لم تستطع ان تحل محل قيم الطمع والاسراف والاستهلاك والامتلاك، قيم الاخاء والسلام والعدالة والاكتفاء بالضروريات حيث لا يموت الفقير من الجوع ولا الغني من التخمة.