دولة.. أم اتحاد طوائف؟

TT

ليس صعبا استنتاج ان رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي اراد من خلال تأكيده العلني، الذي يأتي لأول مرة من سياسي بارز، بأن العراق في حرب اهلية الان، إحداث صدمة تفيق القوى السياسية العراقية والاطراف الاخرى الدولية والاقليمية الى المستنقع الخطر الذي ينزلق اليه العراق والمنطقة لو استمرت الامور على هذا المنوال.

وقد جاء ذلك التصريح ليجمع الصورة حول مجموعة من الاحداث والاخبار، التي كانت تخرج من العراق الى العالم الخارجي بشكل مجتزأ او بالمفرق، عن الجثث المجهولة لاشخاص مقتولين، التي يعثر عليها يوميا، او عما يسمى بفرق الموت ودور الميليشيات في الشارع العراقي وعملية التهجير او النزوح التي تجري على اساس طائفي او عرقي، او اختراق الميليشيات لاجهزة أمنية رسمية، وهي أمور يبدو ان هناك خوفا من الحديث عنها صراحة، بسبب تهديدات الميليشيات والجماعات المسلحة، حتى جاء علاوي ووضعها على بلاطة، كما يقول المثل العامي.

ومن المؤكد ان التفجير الذي حدث في مرقد سامراء أجج الموقف وادى الى موجة قتل على اساس طائفي، وصلت الى نحو 50 او 60 قتيلا يوميا، لكن المؤكد ايضا ان العنف الطائفي كان قائما قبل حدوث هذا التفجير.

وهناك بدون شك قوى تريد حربا اهلية كاملة في العراق، وهي قد اعلنت ذلك صراحة، مثل جماعة الزرقاوي التي وضعت ذلك بين اهدافها، وتستخدم لغة تحريضية طائفية، والواضح ان هذه الجماعة ليست وحيدة، فهناك اخرون يلتقون في الاهداف معها لتحقيق اهدافهم ومصالحهم.

لكن هذه القوى لن تستطيع تحقيق اهدافها الا اذا وجدت المناخ المناسب لنشر هذا السم الذي سيقضي في النهاية على العراق كدولة وينشر العنف في المنطقة كلها.

والمناخ غير المناسب للطائفية والحرب الاهلية يتحقق عندما تقوى الدولة باجهزتها السياسية والأمنية، وتصبح هي الوحيدة التي يحق لها حمل السلاح وليس الميليشيات التي تأتمر بأوامر زعامات الطوائف والجماعات العرقية والاحزاب.

نعم الوضع يحتاج الى انقاذ سريع، والى جهد عربي اكبر لمساعدة العراقيين على تجاوز الازمة، ولكن الجهد الاكبر يجب ان يكون من جانب العراقيين انفسهم، الذين يتعين عليهم ايضا ان يحددوا ماذا يريدون من الدول العربية حتى لا تجد الاخيرة نفسها، كما حدث في مرات سابقة، مثل الكرة التي تتقاذفها الفرق العراقية المختلفة في ساحة معاركها وخلافاتها الداخلية.

فأي دولة تحتاج الى توافق بين مكونات مجتمعها من طوائف واعراق على العيش في اطار هذا السقف المشترك، وهناك مسؤولية خاصة على السياسيين والشخصيات المؤثرة في أي مجتمع في المحافظة على هذا السقف وعدم الانجرار وراء أي استفزازات يمكن ان تؤثر على استقراره وتوعية الناس بالاخطار. اما اذا اختارت هذه النخبة طريق الطائفية او جبنت عن التصدي له، ولشهوة الانتقام بدل الترويج للنظر الى المستقبل المشترك والمصلحة التي تجمع الكل، فان الافضل البحث عن شكل سياسي يتناسب مع المرحلة، يمكن تسميته باتحاد الطوائف مثلا بدلا من دولة.