احذروا من الزواج بنية الطلاق!

TT

إن الله عز وجل إنما شرع النكاح لمقاصد سامية، وأغراض نبيلة، تحقيقا لتكوين أسرة يسودها الوئام وتتحقق فيها الألفة والمحبة، يتعاون الزوجان في كنفها على إعداد بيت الزوجية على أسس من التفاهم والتعاطف والمودة. كما أن من مقاصد الزواج الاساسية ايجاد الذرية الصالحة، وتنشئتهم على الأخلاق الكريمة، والسلوك المستقيم، والشمائل الاسلامية الطيبة.

هذه المقاصد جميعها لا تحصل إلا بأن يكون عقد الزواج مبنيا على «الاستمرارية»، وإنما شرع الطلاق كحل لرباط هذه الزوجية عند حصول عدم الوفاق بين الزوجين، وعند تعذر الحلول الاخرى، فهو كما قيل «آخر العلاج الكي». وجاء في الحديث النبوي: «أبغض الحلال الى الله الطلاق».

هذا هو العقد الشرعي الصحيح، وهو المبني على هذه المقاصد، لا الزواج المبني على مجرد قضاء الشهوة الحيوانية فقط. وإذا نظرنا الى ما يعرف بعقد «الزواج بنية الطلاق» فإننا نصبح أمام عقد تنتفي عنه تلك المقاصد، ويبيت فيه الطلاق، ويؤقت فيه الزواج، وكأن المرأة مطية مستأجرة أو سلعة مبتذلة.

نعم كان في أول الاسلام عقد «نكاح المتعة»، لفترة معينة، ثم حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، وأجمع أهل السنة والجماعة على تحريم هذا النوع من الزواج، لأنه يتنافى مع حقوق المرأة في الاسلام.

وحدث في عصر ما أن احتاج بعض الناس الى الزواج بنية الطلاق لمن اقتضت حاله أن يكون بعيدا عن أهله في سفر طويل، قبل وجود وسائط النقل الحديثة، فيكون الرجل بعيدا عن أهله في سفر ومديد الوقت، فيحتاج الرجل الى امرأة تؤنسه في غربته، وتعفه عن ارتكاب الحرام، من أجل ذلك ذهب جماعة من أهل العلم، مثل الموفق بن قدامة صاحب «المغني»، وشيخ الاسلام ابن تيمية، في قول عنه، الى إباحة هذا العقد، مع أن ابن تيمية في قول آخر عنه لا يجيزه.

لكننا اذا ما نظرنا في هذا الوقت الى الظروف التي جعلت بعض أهل العلم في ذلك الزمن يبيح النكاح بنية الطلاق، نجد ان هذه الظروف قد انتفت، وأن الحاجة التي دعت هؤلاء العلماء الى اباحته، قد تلاشت في هذا الزمن بشكل كبير، ذلك ان الانسان مهما سافر بعيدا عن اهله، فإنه يستطيع وخلال ساعات، ان يعود الى اهله ليقضي معهم شيئا من الوقت، ثم يعود لاستكمال غرضه من السفر، مع وجود الوسائل التي توفر له الاقامة الملائمة والخدمة الجيدة في مكان سفره، مثل الفنادق المريحة.

ويجب أن يعلم أن من شروط إباحة الزواج بنية الطلاق، لدى من قال بجوازه، أن لا تكون المرأة او أهلها على علم بنية الطلاق، لأنهم لو علموا بذلك، فهو شبه الاتفاق على «توقيته» وهذا هو نكاح المتعة المحرم إجماعا.

إننا نرى كثيرا من البلدان التي يقصدها السعوديون، مثلا، لأجل الزواج بنية الطلاق، نجد ان من يسهل هذا الزواج من اهل تلك البلدان، يستقبل الشخص المسافر في المطار، أعني «السماسرة» ويعرضون على الراغب صورا لنساء، لأنهم يعلمون أنه يتزوج بنية الطلاق، وفي القاعدة الاصولية الفقهية ان «المشروط عرفا كالمشروط لفظا». فما دام أنهم يعرفون ذلك القصد منه، إذن فهو نكاح متعة محرم.

الأمر الاخر انه قد حصلت من المفاسد العظيمة بسبب هذا العمل أن اصبح بعض الرجال يسافرون خصيصا لهذا الغرض وحده! وربما زوجت المرأة وهي في عدة زوج آخر قبله، بل ربما زوجت وهي في عصمت زوج آخر طمعا في المال، بل قيل ان البغايا اصبحن يعرضن في تلك البلاد للراغبين في هذا النوع من هذا الزواج!

إذن فقد ترتبت مفاسد كبرى على اباحة هذا النوع من الزواج، وأظن ان من أباحه من أهل العلم سابقا لو رأى ما يفعله أهل هذا الزمن لما أباح هذا الزواج ابدا. فقديما ليس هناك نظام يحدد إمكانية الزواج من غير اهل البلد، بل كانت الامور مفتوحة للزواج من اي بلد ، لكن الآن وفي هذا العصر الحديث، فإنه، وفي السعودية على سبيل المثال، لا يسمح النظام بالزواج من غير السعودية إلا بإذن من الحكومة، وإذا ذهب السعودي الى الخارج بدون إذن زواج وأراد الزواج حسب الصورة التي نتكلم عنها، فإن من يزوجه يعلم يقينا أنه زواج بنية الطلاق، فيعود الامر مرة أخرى الى نكاح المتعة المحرم.

وقد كان الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يبيح الزواج بنية الطلاق، ثم عدل عن ذلك، وقال لما رأيت ما فيه من التدليس على المرأة، يقصد أنها لا تعلم بنية الطلاق، حرمته. لأن النساء في الغالب لا يرغبن الرجل الذي يكثر من الطلاق، فكيف بمن هو بمن هو عازم على الطلاق اصلا؟! وقد بيت النية قبل ابرام عقد الزواج ؟!

خلاصة القول الذي أقوله لإخواني أن هذا النوع من الزواج ، وهو النكاح بنية الطلاق، هو نكاح محرم ، لما ذكرنا من المفاسد، ولغيرها، والله الموفق للصواب. وان شاء الله في المقال المقبل نتحدث عن نوع آخر من عقود الزواج التي يكثر الحديث عنها، وهو ما يعرف بزواج «المسيار».

* فقيه سعودي ومستشار قضائي في وزارة العدل السعودي