مات الكلب ولا عزاء!

TT

عندنا مثل شعبي يقول: الجنازة حارة والميت كلب، أي أن الجنازة لا تتناسب مع تفاهة الفقيد. وعندنا مثل آخر يقول: كلب السيد القاضي مات، مشت الناس في جنازته.

ولكن المثل الشعبي صحيح، فأشهر جنازة في التاريخ هي جنازة الكلبة لايكا، التي أطلقها الروس في أحد الأقمار لتدور حول الأرض، ولم يفلح الروس في استعادتها فقد ولدت في الأرض وماتت في السماء وحزنت عليها الملايين من محبي الحيوانات، ولما وجدت الكلبة أنه من الصعب على الملايين أن تمشي في جنازتها، راحت هي في نعشها تدور حول المشيعين!

والمثل صحيح، فقد مات كلبي منذ أيام، هل حزنت عليه؟ نعم، لقد بكيت؟ نعم، بكيت صديقا لعبة تسلية، وهذا هو الكلب الخامس الذي يموت، وقد جعلت للكلاب اسما واحدا، كأنني لا أريدها أن تموت، واحد ألقت به الخادمة من فوق، وواحد مات تحت عجلات إحدى السيارات وواحد أكل طعاما قد أعددناه للفئران، ثم هذا المسكين الذي داسته سيارة وراء سيارة.

وتكررت نفس المواقف الحزينة، فقد اعتدت أن أجده إلى جواري في الفراش وعند قدمي وأنا أقرأ وأكتب، فإن جاع التفت إلي، وإن عطش وإن أراد النزهة، وإذا اقتربت من البيت، ولا أعرف كيف ينبح قبل دقائق من وصولي إلى البيت. مات، وهذه المرة من الصعب أن آتي بكلب آخر وله نفس الاسم. فلم يمت أي كلب، وإنما هو كلب خاص له صفات خاصة، وهذه الصفات من الصعب أن نجدها أو نغرسها في كلب آخر.

وأستاذنا العقاد قد رثى كلبه «بيجو» حزنا عليه، فقد رأى فيه كل الصفات التي يتمناها للناس، فقد كان الكلب حارسا لهذه الصفات الحميدة.

والأستاذ طاهر الجبلاوي أحد تلامذة الأستاذ العقاد قد مات كلبه فرثاه العقاد في قصيدة طويلة.

وعندما مات كلب الأديب الأميركي مارك تويني في جزيرة هاواي لم يعرف أحد ذلك، فقد بكاه ودفنه، وامتنع عن الطعام، ثم فوجئ الناس بلافتة على باب البيت تقول: غدا يتقبل مارك تويني العزاء في كلبه. أي ليس اليوم، وإنما غدا، وإذا ذهب الناس في اليوم التالي وجدوا اللافتة تقول غدا.. وغد لا يجيء.

فكأنه أعلن وفاة كلبه العزيز، وأعلن أنه لا يقبل فيه عزاء من أحد.