الملف النووي الإيراني: ضرورة التحدث بصوت واحد

TT

في الوقت الذي يستعد مجلس الأمن للنظر في الازمة النووية الايرانية، تشير الاحداث التي ادت الى الحرب في العراق بوضوح الى ما يجب عمله.

ففي العقد الذي سبق الحرب العراقية، كان صدام حسين قادرا على تحدي القوى الكبرى عندما كانوا منقسمين، فيما استغل وضعه كلاعب منفرد، وتردد واشنطن حول ما تريد بين حظر انتشار الاسلحة او تغيير النظام، الأمر الذي جعله يتغلب على معارضيه الدبلوماسيين.

ولكن صدام، وفي المقابل ايضا كان يعلم انه لا يمكنه تحدي الاعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن عندما كانوا جادين ومتحدين، (كما حدث على سبيل المثال خلال عمليات اجراءات التفتيش التابعة للامم المتحدة في الشهور التي سبقت الحرب)، بل لم يحاول أصلا مثل ذلك التحدي.

والموقف هو ذاته مع ايران اليوم، فلم تتمكن واشنطن من تقرير ما اذا كانت الاولوية بالنسبة لسياستها تجاه ايران يجب ان تكون تغيير النظام او عدم انتشار الاسلحة، ونتيجة لذلك، فإن باقي القوى الكبرى لا يثق ولن يؤيد تأييدا كاملا جهودها ضد انتشار الاسلحة النووية. وقد استغلت طهران بسهولة الافتقار للموقف الموحد بين الدول الكبرى لإفشال كل محاولة للسيطرة على برنامجها النووي، ولذلك حشدت طهران تأييدا دوليا عبر دبلوماسية ناشطة بين الدول النامية المعروفة باسم مجموعة السبع وسبعين، وكما فعل صدام، فقد افشل قادة طهران الجهود الدبلوماسية للقوى الكبرى.

لقد حققت ايران نجاحا كبيرا في ذلك لدرجة ان بعض الخبراء في الغرب تحولوا الى انهزاميين، ووجهة نظرهم خاطئة، ففكرة «لقد تأخر الوقت» لإيقاف تقدم ايران نحو بناء اسلحة نووية، هي خطأ من الناحية التكنولوجية. وكذلك فكرة «لا يوجد ما يمكننا القيام به بخصوص ذلك»، فهي فكرة تتجاهل العديد من البدائل التي تتراوح بين العقوبات الاقتصادية، والدخول في حرب. كما ان وجهة النظر القائلة «انه يمكننا التكييف على قبول ذلك» تفقد طبيعة التحدي.

إن ايران النووية خطيرة بما يكفي، ولكن هذه الازمة تقريبية بخصوص ايران، والاهم من ذلك، فهي تتعلق بالنتائج المحتملة لقنبلة ايرانية، وبصفة خاصة فستلجأ السعودية وتركيا ومصر الى انتاج قنابلها النووية، وبسبب الفشل الدولي الملازم في التعامل مع كوريا الشمالية، فإن نظام عدم انتشار الاسلحة النووية سينهار. وهنا لا يصبح الاختيار بين أن يكون في العالم 9 أو 10 دول نووية، ولكنه سيصبح بين أن تكون هناك 9 و 30 دولة او اكثر.

وربما يمكن للقوى العظمى الاتحاد لوقف ايران في ذلك الوقت المتأخر، ولكن ليس بدون تغيير في السياسة الاميركية. واختيار واشنطن هنا بسيط وهو: هل تريد وقف حصول ايران على اسلحة نووية، بدرجة تدفعها للتعامل مع الحكومة الايرانية الحالية؟

ومثل موقف ادارة بوش مع العراق، اصبحت تلك الإدارة غير قادرة على تحديد موقفها، وحاصرت سياستها في دائرة من انصاف الخطوات الانهزامية. وتجدر الاشارة الى ان تهديدات «محور الشر» والدعم الجزئي للمفاوضات الاوربية والدعم المالي العلني للمعارضة في ايران، يضمن شيئا واحدا هو اننا سنفشل سواء للتفاوض على انهاء البرنامج النووي او لإسقاط النظام الحالي.

على الادارة في نهاية الأمر الاعتراف بأن التحدي النووي هو المسألة التي تتصدر قائمة الأولويات، ويجب على الإدارة ان تتحول من مقعد المتفرج او المراقب الى الدخول في مفاوضات مع طهران. يجب على واشنطن ايضا تعزيز الاتفاق وسط الدول الاعضاء الدائمة العضوية في مجلس الأمن خلال العمل عن كثب مع روسيا والتوصل معها الى اتفاق حول التعاون النووي في الأغراض المدنية. التعاون الروسي سيجعل من الممكن تزويد ايران بضمانة دولية ذات مصداقية بشأن تخصيب اليورانيوم وخدمات إعادة المعالجة.

وفي المقابل فالولايات المتحدة في حاجة الى العمل مع الصين ودول اخرى لجهة توضيح ان مجلس الأمن يمكن ان يلجأ الى خطوات اخرى بجانب العقوبات الاقتصادية، في مواجهة التحدي المتواصل لإيران، مثل جعل عمليات التفتيش بواسطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إجراء إجباريا وليس اختياريا.

وهنا يصبح على وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس (ورصفائها وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن) التوجه الى دول مثل البرازيل واندونيسيا وجنوب افريقيا والدول الاخرى الأعضاء في مجموعة الدول الـ77 لتوضيح السبب وراء خطأ ايران في ادعائها ان معاهدة الحد من التسلح النووي يعطيها «الحق» في تخصيب اليورانيوم، وكيف ان استغلال ايران لهذه المعاهدة يضعف التزاماتها بالامتناع عن انتاج سلاح نووي.

اذا اخذنا في الاعتبار سجل الولايات المتحدة في كل من العراق وإيران، فإن هناك من سيصل الى اعتقاد مفاده ان اهتمام الولايات المتحدة بات مركزا حول انتاج الاسلحة النووية وليس على تغيير النظم الحاكمة. يجب ان تكون هذه الرسائل منتظمة ومباشرة وواضحة. اما اذا استمر بوش وكوندوليزا رايس في التصريح بشيء وديك تشيني وسفيرنا لدى الولايات المتحدة، جون بولتون، في التصريح بشيء آخر تماما، فإن هذه المجهودات ستفشل سريعا. وفي المقابل أيضا فلأعضاء الكونغرس مسؤولية مباشرة ايضا، إذ ان هؤلاء وحدهم، والديمقراطيين على وجه الخصوص، هم القادرون على جعل هذا التغيير في سياسات واشنطن امرا ممكنا.

هذا ما يجب ان تكون عليه دبلوماسية الحد من التسلح النووي الجادة، أي شخص يروج لاستخدام القوة العسكرية من الموقف الاميركي المتردد حاليا وقبل اتخاذ الخطوات السياسية سيكون قد كرر مجددا الخطأ الذي قادنا الى العراق.

سجل المجتمع الدولي فيما يتعلق بالبرنامج النووي الايراني (مثلما حدث مع كوريا الشمالية) يتسم بالضعف والعجز، والولايات المتحدة وحدها قادرة على تغيير هذا الواقع. اذا فشلنا في متابعة هذه المساعي والمجهودات بدبلوماسية واضحة ومنفتحة، فإن التسلح النووي سيكون سمة العالم خلال فترة إدارة الرئيس بوش، بصرف النظر عن النتيجة التي ستنتهي اليها الحرب في العراق والحرب على الإرهاب.

*رئيسة صندوق كارنيغي للسلام العالمي ـ خدمة «نيويورك تايمز»