بين ملعبي عباس و«حماس».. في انتظار القرار..!

TT

«حماس» قررت واختارت، فهذه هي حكومتها، وهذا هو برنامجها السياسي الحكومي، الذي من فرط استمساكه وتشبثه بـ «الثوابت» و«المبادئ» السياسية للحركة، لم يسمح حتى لتنظيم فلسطيني كالجبهة الشعبية بتلوين حكومة «حماس»، ولو بنزر من لون الحكومة الائتلافية، فقيادة «حماس» أبت تلبية الشرط، أو المطلب، «الشيطاني»، وهو اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي حُوِّلت إلى صنم لا يضر ولا ينفع، على أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

أما إذا سُئلت «حماس» عن حيثيات موقفها هذا، فسوف تجيب قائلة إن المنظمة قد فقدت، أو أُفقِدت، صفتها تلك، وإن استعادتها لتلك الصفة مشروطة بإعادة بناء المنظمة، تنظيميا بما يعطي «حماس» من التمثيل ما يتناسب مع نتائج انتخابات المجلس التشريعي، أي أن القيادة في المنظمة يجب أن تنتقل من «فتح» إليها، وسياسيا بما يتفق مع جوهر البرنامج السياسي لـ «حماس»، أو لحكومة «حماس».

الكرة الآن خرجت من ملعب «حماس»، فهي من الآن وصاعدا، أي حتى انتهاء الانتخابات العامة في إسرائيل على الأرجح، في ملعب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، واللجنة التنفيذية للمنظمة، وقيادة حركة «فتح»، فالفلسطينيون، و«حماس»، وإسرائيل، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واللجنة الرباعية، وآخرون، ينتظرون ما سيقرره الرئيس محمود عباس في هذا الصدد، فهل يقرِّر، مع اللجنة التنفيذية، وقيادة «فتح»، أن يترك «حماس» وشأنها، فتسير في الطريق التي اختارتها، أي عبر حكومتها، وعبر البرنامج السياسي لهذه الحكومة، حتى نهايتها، لعل التجربة تأتي بنتائج تعود بالنفع على البرنامج السياسي لرئيس السلطة الفلسطينية؟ القرار صعب، وفي منتهى الصعوبة، فإذا كان إيجابيا، بحسب وجهة نظر «حماس»، فسيُتَّهم الرئيس عباس، إسرائيليا ثم دوليا، بأنه فعل ما لم يفعله الرئيس الراحل ياسر عرفات، فإذا كان عرفات متَّهَما بدعم من تصفهم إسرائيل، وغيرها، بأنهم «إرهابيون»، أو بالتقصير في محاربتهم، فإن عباس سيُتَّهم بأنه قد نقل السلطة إلى أيديهم.

أما إذا جاء قراره سلبيا، بحسب وجهة نظر «حماس»، فقد يُتَّهم، ولكن ليس إسرائيليا هذه المرة، بأنه وقف ضد الخيار الديمقراطي الحر للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. وغني عن البيان أن قرارا كهذا لن يعود بالنفع والفائدة على الوحدة القومية للشعب الفلسطيني.

وأحسب أن الرئيس عباس ليس مضطرا إلى أن يُعامِل حكومة «حماس» والبرنامج السياسي لهذه الحكومة على أنهما شيء واحد، فالحكومة شيء، وبرنامجها شيء. إن من حق «حماس» أن تؤلِّف حكومتها، ومن حقها على رئيس السلطة الفلسطينية أن يوافق على حكومتها. على أن هذا الحق لا معنى له إذا لم يقترن بالواجب، فواجب «حماس» أن تأخذ لحكومتها من السلطة ما أقره القانون ذاته الذي فتح لـ «حماس» أبواب المجلس التشريعي، فالحكومة الفلسطينية، سواء أكانت «فتح» أم «حماس»، هي التي تهيمن عليها، ليس لها، ولا يحق لها، أن تملك برنامجا سياسيا غير البرنامج الذي تملكه منظمة التحرير الفلسطينية، فكل السلطة الفلسطينية (المجلس التشريعي، والحكومة، والرئاسة)، إنما هي كيان منبثق من المنظمة، التي هي المرجعية السياسية العليا للشعب الفلسطيني.

و«حماس» لا تحتاج إلى من يشرح لها خواص وسلطات وصلاحيات المجلس التشريعي والحكومة، فالمجلس والحكومة لا يمكنهما لا بموجب الاتفاقات المعقودة بين المنظمة والحكومة الإسرائيلية، ولا بموجب القرارات والبرامج السياسية للمنظمة، أن يملكا من الحق السياسي والسيادي ما يتعارض مع حقوق المرجعية السياسية العليا للشعب الفلسطيني.

إننا لا ننكر على «حماس» حقها في تغليب برنامجها السياسي على البرنامج السياسي للمنظمة، ولكن ليس عبر هيمنتها على المجلس التشريعي أو الحكومة، وإنما عبر هيمنتها على المنظمة. وهذه الهيمنة المشروعة إنما تبدأ بإعلان «حماس» اعترافها بالمنظمة على أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. قصارى القول، لا بد من تمييز حكومة «حماس» من برنامجها السياسي، فالحكومة تُقر، أما برنامجها السياسي فيُعامَل على أنه «وجهة نظر سياسية» غير ملزمة للمرجعية السياسية العليا للشعب الفلسطيني.

* كاتب فلسطيني