تخصيص الصحافة والطيران (1 ـ 2)

TT

هذه الجريدة ستطرح ثلث اسهمها للبيع في اكتتاب عام، كما ان اكبر خطوط جوية عربية، السعودية، تقرر بيعها اسهمها في السوق المفتوحة. دليلان على اننا ندخل اكثر الامتحانات جرأة، وإعلان عن تبدل حقيقي في المفاهيم. الاعلام والطيران ضمن منظومة كانت تعتبر بالغة الحساسية، وأحيانا فيها شيء من التقديس الوطني لكن الامور لم تعد كذلك او لنقل العكس، اي صارت خصوصيتها هي التي تجعلها اكثر اغراء بالشراء.

حديثا قررت الشركة المالكة لجريدة «الشرق الأوسط»، التي تعتبر واحدة من اهم الوسائل المؤثرة في الرأي العام العربي، ان تطرح حصة من أسهمها في السوق للاكتتاب العام. في السابق لم يكن ممكنا ان تفكر شركة اعلامية في البيع في السوق المفتوحة، حيث لا تعرف اسم الملاك الجدد الا كحملة اسهم. في الوقت الماضي القريب ما كانت هناك حكومة تتخيل بيع كل او بعض طيرانها الذي تعتبره رمز فخرها، لكن هاهي الحكومة السعودية تنضم الى ركب بقية الحكومات بالإعلان عن طرح خطوطها الجوية الأضخم في منطقة الشرق الأوسط أيضا للتخصيص، وبيعها للناس في السوق المحلية المفتوحة. فهل نحن بصدد انقلاب عملي في المفاهيم بعد رفض طويل؟

الحقيقة ان المفاهيم بقيت كما هي، أما الوسائل في الملكية والتأثير والإدارة فهي ما تغير. فالصحافة السعودية، كلها، لم تكن من قبل مملوكة للحكومة، ولا تزال حتى اليوم شركات خاصة تقوم على مبدأ العمل التجاري الذي يفسر سبب استمراريتها وحيويتها لعقود طويلة. طرحها، او طرح جزء منها للاكتتاب العام، هو الجديد بعد ان كانت ذات ملكية خاصة او محدودة، كما هو الوضع عليه الآن. الاعلام في نظر اصحابه والمهتمين به كان مقدسا باعتباره من وجهة نظرهم سلعة غير قابلة للبيع في السوق المفتوحة، ومثل ذلك كانت الحكومة تنظر الى مؤسساتها الخدماتية مثل النقل الجوي الذي تراه ضمن سيادتها الجوية وله اعتبارات أمنية. حل محله مفهوم مشاركة المجتمع الربحية والمسؤولية، وتم استنساخ التجارب الاجنبية الناجحة ضمن مبدأ السوق الحرة.

وليس من قبيل التقليد بل ايضا لاعتبارات حقيقية فرضت نفسها. فمفهوم الدولة الأبوي أصبح صعب التطبيق مع توسع الخدمات، وتزايد التوقعات منها، وعجزها عن الاعباء المترتبة عليها. أيضا مفهوم الخصوصية بالنسبة للشركات ذات الحساسية أيضا تغير مع توسع المفهوم التجاري للعمل الاعلامي. فالملكية الخاصة في وسائل الاعلام كانت تعكس ظروفا وزمنا مختلفا. التقنية والسوق غيّرتا الكثير. لم تعد الرخص الحكومية وحدها كافية لضمان موارد العمل الصحفي الذي صار اكثر كلفة وأكثر تحديا مع التقنية الشعبية التي جعلت في كل بيت مطبعة وناشرا الكترونيا. اما السوق فقد كبرت وصارت تتطلب استثمارات لا يمكن ان تؤمنها الملكيات الخاصة لوحدها. وستثبت الايام بعد طرح كل الاسهم ان الشركات، مثل الحكومية، لن تقل حرصا على المصالح الوطنية.

[email protected]