بين نجاح «المجد» .. وتدشين «الرسالة» .. والرهانات المقبلة..!

TT

تدشين فضائية «الرسالة» الإسلامية مؤشر قوي آخر على تنامي سوق القنوات الإسلامية أو بعبارة أدق تقدير جلي لحجم الجمهور الكبير لهذا النوع من الفضائيات. وفي تقديري أن هذا التدشين لا يأتي بمعزل عن نجاحات قناة «المجد» و«إقرأ»، ونجاح قناة المجد بالذات كان قد ألقى حجرا في سماء الفضائيات العربية الراكد مما لفت الأنظار إلى أن شريحة كبيرة محافظة قد تناساها الإعلام العربي المرئي، فلم يكن أحد يتوقع ولا حتى أكثر مؤسسي قناة المجد تفاؤلا، أن يكتب لها هذا النجاح في ظل تنافس محموم شرس بين الفضائيات العربية على كسب المشاهد العربي.

قبل حوالي أربع سنوات، أي قبيل بدء قناة المجد الفضائية لبثها التجريبي، قلت لأحد مؤسسيها إن نسبة نجاح قناتكم بمقاييس التفوق الإعلامي العربي ستكون ضئيلة، فالإثارة السياسية والإثارة الدينية والإثارة الجسدية هي الأركان الرئيسة لكثير من القنوات العربية الفضائية شعبية، والمؤكد أنكم لستم من أرباب هذه الإثارة ولا تلك. وثانيا أن قناتكم ليست إسلامية بمعنى أنها ستكون عامة ولن تحتوي فقط على برامج دينية والفضاء العربي يعج بهذا النوع من الفضائيات الأطول عمرا والأغنى مالا والأكثر خبرة. وثالثا أنكم كبلتم أنفسكم بشرط شبه تعجيزي وهو احترام رغبة شريحة كبيرة في المجتمع العربي لا ترغب في ظهور المرأة لاعتبارات فقهية قديمة ومعروفة، علاوة على أنه خلاف مقاييس نجاح الفضائيات التي تمثل فيها المرأة ومفاتن جسدها عصب حياتها وأكسجين بقائها، هي أيضا من الناحية الفنية صعب التحقيق، فقناتكم لن تعتمد على إنتاجها فقط ولكنها ستعتمد أيضا على الإنتاج البرامجي العربي والعالمي المعتمد على ظهور المرأة اعتمادا كبيرا.

كنت مخطئا في تقديري، أو بعبارة أدق لنقل إن قناة المجد الفضائية كسرت المسلمات الإعلامية لنجاح الفضائية العربية، فقد أظهرت نتائج دراسة استطلاعية أجراها المركز العربي للبحوث والدراسات الاستشارية «بارك» عام 2005 على عينة ممثلة لشرائح المجتمع السعودي على أن قناة المجد «العامة» تحتل المرتبة الثالثة من بين القنوات العربية العامة «لا تشمل المتخصصة كالإخبارية والرياضية والأفلام... الخ» فقد جاء ترتيب قناة «المجد» العامة بعد القناة السعودية الأولى وقناة MBC1، يعني أن قناة المجد وبعمر لا يتجاوز الأربع سنوات وبلغة الأرقام قد تفوقت أو أضحت تزاحم قنوات فضائية عمرها عقود من الزمن، بل ها هو الفضاء العربي بدأ يزدحم بالفضائيات الإسلامية التي راهن الكثير في الماضي على فشلها، وآخرها دخولا قناة «الرسالة».

وما أشبه ليلة الفضائيات الإسلامية ببارحة البنوك الإسلامية، فقبل عقود كان هناك من يراهن على فشل فكرة البنوك الإسلامية وأن الذين يطالبون بها لا يمثلون إلا شريحة محدودة وضئيلة في المجتمعات العربية والإسلامية، وتمضي السنون لتحقق البنوك الإسلامية نجاحات كبيرة ليس في عددها وشعبيتها فهذا شاهر ظاهر، ولكن في لجوء عدد من قلاع البنوك الربوية العربية وحتى العالمية إلى «أسلمة» معاملاتها لتقتسم أو لتلحق على ما بقي من قطعة الكعك «المحافظة» التي كانت البنوك الإسلامية الأخرى قد قضمت جزءا كبيرا منها إن لم تكن قد التهمتها، هذه «الأسلمة الاقتصادية» القسرية لجزء من معاملات البنوك الربوية إعلان صريح بالتراجع عن تهميشها لرغبة شريحة محافظة كبيرة في تعاملات بنكية نقية من الشوائب الربوية، فهل حل علينا الزمن الذي بدأت تتنافس فيه الفضائيات العربية على اقتسام كعكة الشريحة الكبيرة لا أقول المتدينة بل المحافظة، من المشاهدين العرب والتي كان لا يؤبه لها بعد أن طارت طيور الفضائيات الإسلامية بأرزاقها الكبيرة ؟

لقد فات على كثير من قادة الإعلام العربي بشقيه الحكومي والخاص أن اعتراض الأغلبية المحافظة في مجتمعاتنا العربية على الجانب المتحرر من برامجها وأفلامها وفيديوكليباتها لا يعني بالضرورة المطالبة ببرامج دينية ولا حتى قنوات دينية، قصارى ما كانوا يطالبون به أن تراعى مشاعر أغلبية الشعوب العربية في نوعية البث الذي هبط فنيا وأخلاقيا ثم لا يريدون بعدها مزيدا من القنوات الدينية، هذا الازدراء لرغبات الأغلبية هو الذي مهد كثيرا لنجاح سوق الفضائيات الإسلامية وعلى رأسها «المجد»، فهل تبدأ الفضائيات العربية في «أسلمة» بعض قنواتها وبرامجها لتلحق على بقية الكعكة ؟ ابحث عن الجواب في تدشين قناة «الرسالة» وقبلها «إقرأ» والبقية ستلحق بالركب، وإلا التهم «غيرهم» كعكة الأغلبية المحافظة كما التهمتها البنوك الإسلامية.