نعم للتعليم .. ولكن أي تعليم؟

TT

كلما اجريت المزيد من التغطية الصحافية للشؤون الخارجية تمنيت أن اكون قد درست التربية، لأنني كلما سافرت الى منطقة اكتشفت ان أكثر الجدل والمساجلات سخونة في الكثير من الدول تدور حول التعليم. والمثير للاهتمام في هذه القضية ان كل دولة تعتقد انها متأخرة في هذا المجال.

ظل رئيس الوزراء توني بلير يصارع داخل حزبه بشأن منح المدارس مزيدا من الاستقلالية عن سلطات التعليم المحلية. كما ان سنغافورة تبدي اهتماما الى درجة كبيرة بتحسين مستويات مدارسها في مادة الرياضيات، علما بأنها تتصدر دول العالم في هذا الجانب. اما الولايات المتحدة فتشعر بالقلق ازاء جدية مدارسها في تحسين مستوياتها في الرياضيات والعلوم. كنت في الفترة الماضية في بومباي لحضور الاجتماع السنوي للرابطة الهندية للتقنيات المتطورة (ناسكوم)، حيث اعرب كثير من المتحدثين عن قلق إزاء تقصير نظام التعليم في الهند في تنشئة عدد كاف من «المبتكرين».

وتنظر الصين والهند، اللتان تفوقتا في مجال التعليم الفني وأثارتا مخاوف دهشة الدول الاخرى ازاء الكم الهائل والمتزايد من المهندسين والفنيين، الى التوصل الى ما اذا كان حجم مناهج العلوم والرياضيات هو السبب في عدم وجود عدد كاف من المبتكرين.

يقول جير راول، المدير التنفيذي لواحدة من كبريات الشركات الهندية التي توفر أطقم الموظفين للشركات الأجنبية، ان الغالبية الساحقة من الطلاب لا ترغب في دراسة الفنون وتفضل دراسة الهندسة وتجارة الأعمال. ويقول معلقا ان الهند اصبحت دولة مبرمجي كومبيوتر ومندوبي مبيعات، مؤكدا ان إهمال دراسة العلوم الانسانية له جوانب سالبة وسيترتب عليه عجز الهند مستقبلا عن المنافسة في مجالات مثل الأدب والاقتصاد والمنافسة في الجوائز العالمية مثل جائزة نوبل التي فاز بها من قبل الهنديان ف. نايبولز وأمارتيا سينز.

الابتكار غالبا ما يكون نتاجا للتفاعل بين الأدب والعلوم، كما ان افضل المبدعين والمبتكرين يجمعون بين الاثنين. ستيف جوبز، المؤسس المشارك لشركة اجهزة كومبيوتر، قال في الكلمة التي ألقاها العام الماضي في ستامفورد انه قطع دراسته في الجامعة لكنه ظل يتردد على مباني الجامعة والتحق بدورة دراسية في الخط، حيث تعلم الكثير من الجوانب الفنية، وقال ان هذه الأشياء لم تكن لها تطبيقات عملية في حياته، لكنه استفاد منها بعد عشر سنوات عندما بدأ وزملاء له في تصميم أول جهاز كومبيوتر ماكنتوش، الذي يعتبر اول جهاز كومبيوتر يحتوي على طبوغرافيا جملية.

ولاحظ راو انه قبل خمسين سنة كان العالم السانسكريتي شخصية محترمة في الهند، ولكن الآن يتركز الاهتمام على ان تصبح مهندسا او مبرمجا أو طبيبا. وأكد راو ان «مزيدا من الناس يحصلون على شهادات دكتوراة في دراسة السانسكريتية في اميركا اكثر منهم في الهند. والساسنكريتية هي اصول ثقافتنا».

لماذا كل هذا القلق بخصوص التعليم اليوم؟ لان الكومبيوتر وكوابل الالياف البصرية والانترنت قربت بين النشاطات الاقتصادية، وأصبح في امكان العمال في أي مكان المشاركة فيه. وستنتقل رؤوس الأموال بطريقة اسرع مما كانت عليه للاستفادة من افضل المواهب في العالم بغض النظر عن مكانها، ولذا تسارع كل دول العالم على تجديد قاعدة المواهب البشرية لديها. وعندما يمكن لكل شخص الحصول على نفس التكنولوجيا، فإن المواهب البشرية، كما ذكر الخبيران جورن هاغل وجون سيلي براون، هي الحد الفاصل.

وهذا هو السبب وراء القلق الذي وجدته في الهند بضرورة التحرك بسرعة للانتقال من عملية القيام بأعمال لحساب الشركات الأخرى، مثل ادارة ما يعرف باسم الغرف الخلفية، والإجابة على الهاتف، الى عملية التصميم الاصلي والإنتاج.

الى ذلك يوضح ازيم بريمجي رئيس شركة وايبرو، وهي واحدة من اهم شركات التكنولوجيا في اميركا، بالقول:«نحن في حاجة الى مزيد من الافكار لجعل الابداع مبادرة وطنية. هل يتسم الهنود بالإبداع؟ ان العودة الى تاريخنا تشير وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك انه كان لدينا بعض اعظم الاعمال الفنية والأدبية. ونحن في حاجة الي التوصل الى نفس الروح في الاقتصاد والأعمال».

ولكن تحقيق هذه القفزة يحتم على رجال الاعمال الهنود تحقيق تغيرات كبيرة في نظام التعليم المحافظ الذي لا يشجع على التحدي. وقال نيرمالات سانكاران المدير التنفيذي لشركة هايميث، وهي شركة هندية متخصصة في التعليم، اذا لم نسمح لطلابنا بسؤال لماذا، ونكتفي بإبلاغهم كيف تحدث الاشياء، فإننا سنحصل على نوعية الاعمال التي نحصل عليها الان، وليس تلك الاعمال التي تتطلب تفاعلات متقدمة والقدرة على اصدار الاحكام لفهم احتياجات الشخص الاخر، فإننا نواجه مشكلة ابداعية في هذا البلاد».

وتصوري هو انه في بداية عملية انتقال عالمي في التعليم: ستحاول الهند والصين العمل من اجل تشجيع طلابهما على الابداع. وستزداد اميركا تشددا في ما يتعلق بالرياضيات والعلوم. وهذا التحول سيكون الحافز الاكبر على النمو العالمي والإبداع، وهو ما يحقق مكاسب للجميع. ولكن البعض سيحقق مكاسب اكثر من الآخرين، أما أولئك الذين سيحققون التوازن بطريقة افضل فسيكونون هم الاسرع في معظم المدارس.

* خدمة «نيويورك تايمز»