خذوا الحكمة من أفواه الظرفاء

TT

اقترح أحد الظرفاء العراقيين تشكيل حكومة جديدة من دون رئيس للوزراء حلا للأزمة الطاحنة التي تتسبب في تعطيل الحياة السياسية والعامة في البلاد النازفة المحترقة، بل تزيد من مكابدة العراقيين الرهيبة في كل مجال وميدان. وأظن أن هذا الظريف أذكى من أبطال أزمة الحكومة وأكثر وطنية منهم بما لا يقاس.

فبلا أي معنى إلا عدم التحلي بالمسؤولية تجاه مصير العراق وشعبه، وبلا أي داع إلا المصلحة الشخصية الانانية والحزبية الضيقة، يطول أمد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بينما تمر الايام والاسابيع والأشهر شديدة الوطأة على العراقيين، كل ساعة منها، بل كل دقيقة، بثقل الجبال.

هل السيد ابراهيم الجعفري هو المسؤول الأول والأخير عن هذا؟

أعتقد ان العقلاء لا يحمّلونه الا مسؤولية محدودة للغاية، والأكثر عقلا يبررون له موقفه، فالسياسيون بطبيعتهم نهّازون للفرص، يكمنون لها ويقنتصونها اقتناصا، والجعفري لا يفعل أكثر من هذا.. استغل جنون «الائتلاف العراقي الموحد» في الانتخابات الاولى مطلع العام الماضي بفكرة الاستحواذ على الجمعية الوطنية والحكومة الانتقاليتين بأي ثمن لانتزاع السلطة من السنة واحتكار النفوذ وتحقيق الهيمنة الابدية للشيعة، فابتز الجعفري شركاءه: أعطوني رئاسة الوزراء والا اعطيتكم تخريب وحدة «الائتلاف».

عضّ الشركاء على النواجذ وكظموا الغيظ انتظارا لفرصة اعتقدوا انها ستكون سانحة لهم تماما في الانتخابات الثانية (نهاية العام الماضي)، لكن «السيد» كان هذه المرة ايضا أبرع منهم في الكمون والاقتناص. فقد عقد صفقة مع التيار الصدري بدأ تنفيذها على الارض على الفور وتجلّت في أوضح صورها في اكتساح المساجد السنية بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء، فيما تستمر بتراجع سلطة الدولة في المدن والاحياء امام سلطة ميليشيا هذا التيار.

ولن نغفل بالطبع عن ايران التي تظهر في الافق القريب جدا لصورة الصفقة.

انحشر شركاء الجعفري في مأزق فاقم منه عدم تحليهم بالشجاعة للإفصاح عن موقفهم الحقيقي، بل انهم في الواقع لا يترددون في تكرار التصريح بخلاف موقفهم الحقيقي: «الجعفري مرشحنا الشرعي والوحيد وعلى الآخرين احترام خيارنا»! وفي السر يمحضون الكتل الاخرى التي تحلت بالصدق ومارست حقها وواجبها في التعبير عن معارضتها لترشيح الجعفري الى ولاية ثانية، التأييد والدعم والتشجيع، بل الحضّ على التمسك بهذه المعارضة وتصعيدها.

وبالطبع، فإن الجعفري وحلفاءه الجدد الكامنين من أجل الاقتناص والمترصدين من أجل الانقضاض يتسمعون ويرون، ويستغلون موقف الضعف هذا لدى الشركاء الائتلافيين، ولسان حالهم يقول «انّا ها هنا قاعدون».

للخروج من مأزقهم ولإخراج العراق من المأزق الذي يحشرونه فيه ليس أمام شركاء الجعفري هؤلاء، الذين يبغضونه أكثر من الكتل الاخرى الرافضة على رغم ابتساماتهم المصطنعة، إلا ان يتحلوا بالمسؤولية الوطنية التي تحتم عليهم أن يقولوا له «لا» اذا كانوا مؤمنين بهذه الـ«لا» ومقتنعين بأن الجعفري ليس الرجل المناسب لرئاسة الوزراء في السنوات الأربع القادمة، مثلما تحلى غيرهم، وأولهم الأكراد، بمسؤوليتهم الوطنية وأفصحوا عن موقفهم بكل صراحة وما انفكوا يلتزمونه ويبررونه ويدافعون عنه بشجاعة. وإلا فليكف شركاء الجعفري هؤلاء عن لعبة الوجهين التي تفاقم من مأزق الجميع.

بخلاف هذا ليأخذ «الائتلاف» باقتراح الظريف العراقي وتشكيل الحكومة من دون رئيس لها (في عهد صدام ندر وجود رئيس للحكومة، وفي عهد مجلس الحكم لم يكن هناك رئيس للحكومة، ويومها كانت حياة العراقيين أفضل مما هي عليه الآن وفي عهد الوزارة الجعفرية برمته). لتتشكل الحكومة بنواب رئيس الوزراء فقط، يدير كل منهم قطاعا معينا ويكوّنون رئاسة جماعية لها.

نعم خذوا الحكمة من أفواه الظرفاء.

[email protected]