المجموعة السعودية وسابقة مختلفة

TT

الاعلان عن طرح الشركة السعودية للابحاث والتسويق جزءا من ملكيتها في اكتتاب عام أولي بالسوق المالية السعودية، هو حدث مالي مهم جدا بكل المقاييس. فحينما تطرح أكبر شركة اعلامية جزءا من ملكيتها للسوق المالي العام، فذلك نقلة في مفهوم الاعلام وملكيته والمحاسبة والمسؤولية. فالاعلام في العالم العربي كان ولا يزال منظومة متكاملة مرتبطة بالسلطة، وأنها صوتها الرسمي، وبالتالي فطرح «ملكية عامة» هو تحد مهم لهذه الفرضية. وهناك قناعة لدى عدد غير بسيط من المتابعين للشأن الاقتصادي والمالي والاعلامي، بأن هذه السابقة ستساهم بشكل أساسي في تغيير الثقافة والفكر المتحكم في السياسات الصحفية تحديدا، والاعلامية عموما، وبالتالي تكون هناك مراجعة جادة لانظمة النشر واعتبار المنظومة الاعلامية، صناعة استثمارية، مثلها مثل القطاعات الأخرى كالبنوك والمصانع وغيرها. والشركة السعودية للابحاث والتسويق تمكنت عبر سنوات من العمل الابداعي على التفوق بالمطبوعات المتخصصة والمتمكنة وأطلقت العديد من الاعلاميين والفنيين المتألقين. واداريا أحدثت نقلة ايضا في الاهداف والتوجهات والنهج التسويقي للصحف والمجلات العربية. وكان لافتا تصريح رئيس مجلس ادارة المجموعة الأمير فيصل بن سلمان، حينما قال إن المجموعة تنوي أن تعلن قريبا عن نظام داخلي خاص بالحوكمة يعتمد أساسا على فصل الملكية والادارة عن الشأن التحريري، وذلك في خطوة قانونية وعملية لضمان مبدأ حرية النشر، وأيضا عدم ممارسة ضغوط على مطبوعات الشركة من حملة وملاك الأسهم، وهذا بحد ذاته خطوة جديدة تكرس «نظام» الحقوق والواجبات وتوضحها، وتزيل أي اشتباك في العلاقات الحرجة والحذرة ما بين المنتج الاعلامي ومتلقيه ومديره ومالكه، وهي غير العلاقة التي كانت عليها ابان ما كان المنتج ملكية فرد واحد أو تملكته الدولة بعد ذلك.

اطلاق الشركة السعودية للابحاث والتسويق جزءا من ملكيتها للاكتتاب العام من المفروض نظريا على الاقل أن يفتح الشهية بالنسبة لعدد غير بسيط من المؤسسات الصحفية، سواء أكان ذلك داخل السعودية نفسها أو على المستوى الاقليمي عربيا. وهذا سيكون مقدمة للعديد من الطروحات الاستراتيجية التي تمهد لايجاد تكتلات واندماجات اعلامية هائلة، تؤهلها للتنافس مع التكتلات الاعلامية العملاقة، التي تشكلت في أكثر من دولة عبر السنوات الماضية، وباتت هي نفسها كيانات اقتصادية عملاقة مؤثرة.

واليوم بدخول الشركة السعودية للابحاث والتسويق للبورصة، يثبت الاعلام أنه بات جزءا أساسيا من المنظومة الاقتصادية، وأن السعودية كاقتصاد قادرة دوما على «مفاجأة» السوق والمبادرة بالجديد، وهذا الطرح يؤكد هذا الأمر. طرح الشركة السعودية للابحاث والتسويق ليس فقط سابقة لافتة، ولكنه فرصة لأحداث أكبر في قطاع طالما كان ينظر اليه بقلق وريبة، وبات الآن من المفروض أن ينظر اليه على أنه فرص استثمارية.