القتل الذي أحبه

TT

عندما قرأت مقتطفات من الرسالة، التي وجهها الظواهري للزرقاوي، توقفت عند طلبه بعدم ذبح الرهائن بالسكاكين، فقتلهم بالرصاص قد يكون كافياً.

هل مرت عليكم بالله (رحمة) أسلس وأمتع وأروع من رحمة هذا (الظواهري)، الذي أبدل السكين بالرصاصة، وكأنه يبدل الزهرة بوردة؟!

عندما كنت بهذا الصدد (الحيواني المخزي)، تذكرت الطائفة (اليانية) في الهند، الذين يحرمون قتل أي كائن حي، حتى لو كان نملاً، والمتعصبون منهم لا يركبون حتى السيارات، لأنهم يعتقدون أن كفراتها قد تقتل بعض الكائنات دون أن يشعر ركابها، وهم كذلك لا يلبسون الأحذية لأن نعالها تسحق الحشرات أكثر مما تفعل الأقدام العارية.

لا أكذب عليكم إنني تعاطفت وجدانياً مع هذه الطائفة، إلى درجة أنني أصبحت أسير في منزلي ومحيط منزلي حافي القدمين، ورأسي وبصري دائماً يتطلع إلى الأسفل، خشية أن أدوس على نملة تسير أو على كلب رابض.. والمشكلة الوحيدة التي واجهتني هي: هل يستحسن الناس منظري عندما اذهب إلى مناسبة رسمية، أكون وقتها لابساً مشلحي المقصب وقدماي في نفس الوقت عاريتان؟!، لهذا قررت أن أقاطع كل المناسبات الرسمية، فحياة المخاليق والكائنات عندي الزم من (مواجهات الجماهير)، أو تقديم (فروض الولاء والطاعة).

أصبحت أضع نفسي في مكان أي كائن إلى درجة أنني لو رأيت قطاً بائساً في احد الشوارع عطفت عليه مثلما اعطف على نفسي.. أصبحت أتقمص شخصية كل الكائنات التي تريد أن تعيش وتحيا وتأكل وتتناسل وتتعاشق مثلي تماماً.

فهل نظرتي أو فلسفتي (الهمايونية) هذه قاصرة وجانبها الصواب؟!

صحيح أنني أضيق ذرعا بالذباب، وأرتعد خوفاً من البعوض، لهذا اتحاشاهما بقدر ما أستطيع، وإذا كان لا بد من القتل أو القضاء عليهما، فيكون ذلك بيد غيري لا بيدي، بل إنني أخرج من المكان تماماً، لكي لا أكون شاهداً على تلك المجزرة.

قد يظن بعضكم عندما يقرأ كلامي هذا، أنني رقيق الحاشية إلى درجة التلاشي، أو أنني اقرب إلى الرومانتيكية إلى درجة الخراعة، أو أنني عسل مصّفى إلى درجة الذوبان في مهج الآخرين.. وذلك لأنني مفتون بكل كائن تدب فيه الحياة ويضخ فيه الأوكسجين.

لا أبداً، بل وعلى الإطلاق لست بذلك (الهين اللين الأملس)، فجلدي يمتلئ بالحراشيف أحياناً، ونفسي تمتطي صهوة الرفض وعدم الخضوع والخنوع دائماً، وأستطيع بكل بساطة وقوة كذلك أن أقول للباطل توقف، وإذا لم يتوقف أحاول أن اقتله حتى لو دفعت حياتي ثمناً لذلك.

وهذا هو القتل الوحيد الذي أمارسه ويستهويني.

[email protected]