غطاء إسلامي مزعوم لمشروع تخريبي حقيقي

TT

مشروع إيران لتفتيت العالم العربي من الداخل، ومشروع أميركا لتقسيمه من الخارج، كانا موضوع مقالي السابق، الذي أثار جدلاً وأتى إليّ بتهديدات من متعاطفين مع إيران فيما يبدو. ورغم هذا التهديد أود أن أفسّر أكثر ما قصدته في المقال السابق، وأحاول إيجاد توصيات سياسية قد تخدم المصلحة العربية في ظل تكامل المشروعين الإيراني والأميركي أو حتى في تصادمهما.

بعد المقال السابق اتصل بي مسؤول عربي رفيع المستوى (طبعاً مش رفيع أوي ـ بلغة أهل القاهرة)، حتى لا تظن بي الظنون. جل ملاحظته كانت هي أن المقال فتح عينه على المشروع الإيراني، الذي يراه أكثر خطراً على مستقبل المنطقة من المشروع الأميركي، وطلب مني مزيدا من الإيضاح، وها أناذا ألبّي رغبته.

ببساطة التنافس بين المشروع الإيراني الهادف إلى تفكيك البلاد العربية من الداخل، والمشروع الأميركي الداعي إلى إعادة رسم خريطة المنطقة من الخارج، هو تنافس قديم وليس وليد اليوم، في التاريخ القريب يستطيع الإنسان أن يقول بأن قمة هذا التنافس كانت في أكبر دولة عربية وهي مصر مع بداية ثورة الخميني الإسلامية، حيث تولد في الشارع المصري مشروع إيراني يهدف إلى تقويض الدولة المصرية من الداخل، كان السادات بالنسبة لهؤلاء يمثل المشروع الأميركي ورمزه الأوحد، فقد وقع معاهدة سلام مع إسرائيل، واحتضن الشاه بعد طرده من إيران، ودفن الشاه في مصر في ما بعد. المشروع الإيراني كانت رموزه الجماعات الأصولية ومثقفي الأصولية وأبواق دعايتها في الصحافة القومية المصرية، وكذلك في صحافة المعارضة أو المنابر آنذاك. تصارع الطرفان: السادات ممثل المشروع الأميركي، والأصوليون الذين يمثلون المشروع الإيراني، وانتصر المشروع الإيراني على المشروع الأميركي عندما قام خالد الإسلامبولي باغتيال السادات في السادس من أكتوبر عام 1981.

ورأى الأصوليون هذا النصر على أنه بداية لنجاحات قادمة في المنطقة، وانتشت إيران وأطلقت اسم قاتل السادات الاسلامبولي على واحد من أكبر شوارع طهران، وبقي موضوع اسم الشارع شوكة في حلق العلاقات المصرية ـ الإيرانية.

ويدين العالم العربي اليوم للرئيس مبارك، وهنا أقولها للتاريخ وليس مجاملة للرئيس أو خوفاً، أن مواجهته الحاسمة مع المشروع الإيراني في مصر، وشجاعته في مواجهة اللوبي الإيراني وجيوشه من حملة السلاح والقنابل في شوارع القاهرة، قد جنّبت المنطقة كثيرا من مخاطر المشروع الإيراني. ربما مبارك اليوم هو ليس مبارك الأمس، لكنه رجل صمد في مواجهة هذا المشروع التخريبي وقضى عليه على الأقل في مصر، رغم انني أرى اليوم ملامح لعودة لهذا المشروع، مشروع فارسي يتستر خلف الدعوة الإسلامية لتقويض المنطقة من الداخل، مشروع يروج له في صحف وإذاعات وتلفزة تمولها حكومات قصيرة النظر.

للمشروعين الأميركي والإيراني، وجهان: إما أن يتكامل المشروعان، أو يتصارعا على السيطرة في المنطقة، تُرى ماذا يحدث في حالة التكامل؟ وماذا يحدث في حالة التنافس؟.

ملامح التكامل بين المشروعين اليوم تبدو واضحة في العراق، حيث يجري حوار بين أميركا وإيران على مستقبل العراق، في حالة التكامل هذه يبدو أن العرب قد خرجوا من المعادلة العراقية، وأصبح الشأن العراقي هو شأن أميركي ـ إيراني خالص، لا موقع للعرب فيه.

فبينما يجتمع القادة العرب في الخرطوم بعيداً عن العراق، نجد أن أميركا وإيران تتحدثان في شأن العراق، والعرب هناك في افريقيا، ربما يتحدثون عن أجندة تكتيكية صغيرة.

ما يخيفني اليوم هو أن مستقبل المنطقة العربية يشكله حوار أميركي مع غير العرب، حوار أميركي ـ إيراني، وحوار أميركي ـ تركي، وحوار أميركي ـ إسرائيلي، وحتى حوار أميركي ـ أوروبي، والعرب غافلون، في جهلهم يعمهون.

أعرف أيضاً من التجربة الشخصية ومن المعاملات اليومية، بأن مسلمي إيران ومسلمي تركيا ينظرون إلى العرب نظرة عنصرية استعلائية، وفي الوقت الذي يدخل فيه الغرب المنطقة ايضا من مشروع استعلائي امبريالي، نرى كلا من إيران وتركيا يدخلان الى المنطقة في الماضي والحاضر من خلال ذات الاستعلاء وذات العنصرية، لكنهما يتستران تحت غطاء الدعوة الإسلامية، سواء في حالة الخلافة العثمانية أو في حالة تصدير الثورة الخمينية، كلاهما ينظر إلى العربي على أنه أدنى وأقل لا يستحق السيطرة على مقدراته، لذا لا بد لإيران أو تركيا من السيطرة، ولكلتا الدولتين عملاؤها، إما من بقايا الأتراك البيض في المنطقة الذين ركبوا موجة الإسلاموية الجديدة، أو من عملاء إيران الذين يمتدون من لبنان إلى البحرين مروراً بالقاهرة وعواصم أخرى.

كلاهما يريد السيطرة على مقدرات العرب لمصلحة جنس أسمى وأرقى، وهو الجنس الفارسي في حالة إيران، أو الجنس التركي في حالة تركيا. أحفاد الأتراك في المنطقة لهم حلم عودة الحكم إليهم، كذلك عملاء إيران لهم حلمهم، وغطاؤهم في كل الحالات هو المشروع الإسلاموي، مشروع لا يستطيع أحد مقاومته، لأن أي مقاومة لهذا المشروع الإمبريالي ستعد مقاومة للمد الإسلامي، وبذلك يكفر كل من يكتب أو يتحدث ضد هذا المشروع.

المشروع الأميركي واضح، لأنه مشروع مكشوف ليس لديه الغطاء الإسلاموي الذي يجعل اللوبي الإيراني يعيث فساداً في العالم العربي ويرهب كل من يتحدث عنه. أما المشروع الأميركي فلا مناصر له، ولذلك نرى آلاف المقالات والمقابلات التلفزيونية الرافضة للمشروع الأميركي، ولا نسمع كلمة واحدة عن المشروع الإيراني.

مصلحة العرب تكمن في تنافس بين المشروعين، فلربما من خلال مواجهة بين إيران وأميركا يستطيع العرب تحرير جزرهم من إيران، أما إذا تكامل المشروعان كما هو الحال الآن في العراق، فلذلك معنى واحد وهو خروج العرب من المعادلة الإقليمية.