الحرب المقبلة

TT

الأحداث التي مرت على المنطقة خلال اليومين الماضيين دليل واضح على امكانية ان تنزلق المنطقة الى مواجهات عسكرية واسعة، لم يخطط لها احد نتيجة الفعل ورد الفعل، من دون ان يكون احد قد عمل اي حساب لها. فخلال اقل من 48 ساعة ارتفعت درجة التوتر في المنطقة بشكل خطير بعد العملية التي نفذها «حزب الله» اللبناني في مزارع شبعا ضد دورية اسرائيلية، وردت عليها اسرائيل بضرب موقع رادار سوري في لبنان، بدعوى ان سورية تتحمل مسؤولية دعم «حزب الله».

في بداية الانتفاضة الفلسطينية، العام الماضي، تدهور الوضع بشكل سريع، فتحدث البعض، خاصة في اسرائيل عن مخاطر حرب اقليمية شاملة في المنطقة، تشترك فيها عدة دول. وقال مسؤولون اميركيون ان الوضع يماثل في خطورته الوضع الذي كانت عليه عام 1973، وهو العام الذي شهد حرب اكتوبر (تشرين الأول).

وهذا الكلام يطرح تساؤلات كثيرة تشكك في مصداقيته، في ضوء اختلاف الظروف الاقليمية والدولية حاليا عما كانت عليه عام 1973 بما لا يسمح بنشوب حرب، لكن في الوقت نفسه، فان نشوب معارك محدودة، او مواجهات غير محسوبة ليس مستبعدا، وقد حدث ذلك في الثمانينات، واشتبكت طائرات سورية مع طائرات اسرائيلية، كما شهد لبنان حربا حقيقية بعد الغزو الاسرائيلي.

وقد كان الجميع يتصور ان المنطقة تجاوزت بكثير هذه المرحلة، وانه من الصعب العودة اليها بعد ان وقع الفلسطينيون اتفاق سلام، واصبحت هناك سلطة فلسطينية، بينما جلس السوريون والاسرائيليون الى مائدة التفاوض. وانتعشت الآمال لأول مرة في امكانية رؤية سلام شامل يتحقق في المنطقة وينهي الصراع المحتدم منذ 50 عاما.

ولكن ما نسيه الجميع في ظل هذه التوقعات الكبيرة، هو ان الكلام فقط لا يمنع تدهور الموقف، وامكانية عودته الى نقطة الصفر طالما انه لم يتحقق شيء على الارض مثل تحقق السلام نفسه، وحدوث الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي العربية المحتلة. كما ان رفع درجة توقعات الناس ثم المفاجأة بعدم حدوث شيء اخطر نفسيا من ان يكون الوضع متدهورا اصلا.

وسوف تتفاوت بيانات الدول بعد الغارة الاسرائيلية حسب الموقف السياسي، وسيتم انتقاء العبارات الدبلوماسية في توصيف المواقف حسب رؤية كل دولة بين الادانة والإعراب عن القلق من التصعيد، واعتباره تصعيدا غير مبرر، او الاعراب عن القلق على الاستقرار في المنطقة، او اعتباره تصعيدا، ردا على استفزاز متعمّد حسب الموقف الاميركي، لكن المؤكد ان هناك اعتداء حدث، وانه ادخل المنطقة في تصعيد جديد قد يحدث سلسلة من الافعال وردود فعل خطيرة.

لكن اياً تكن الرؤية السياسية لما يحدث، فان النظر اليها من خلال مجرد احتكاكات على الحدود اللبنانية خطأ، فما يحدث هو نتاج حالة اللاحرب واللاسلم التي لم تعد قابلة للاستمرار، وتكلفتها مرهقة سياسيا واقتصاديا.