أبعدوه إلى وطنه

TT

في النهار تعلن الحكومة الاسرائيلية ان ياسر عرفات ارهابي وانه يقود عمليا ما تصفه «الموند» بالحرب «التي ترفض اعلان نفسها».

وفي الليل يوفد آرييل شارون ابنه اومري شارون للقاء الرئيس الفلسطيني، وفي النهار تدعو اسرائيل اركان الامن الفلسطيني للتفاوض. وفي طريق عودتهم تطلق النار عليهم. في اليونان يلتقي شمعون بيريز مع نبيل شعث، وفي القدس يبرر بيريز العمالي سياسات زعيم الليكود. في تشكيل حكومته يستبعد جورج بوش جميع مؤيدي اسرائيل المعلنين او الثابتين. وبعد تشكيل الادارة يتبنى فورا رؤية شارون «للعنف»، هو الذي كان يقول قبل الوصول الى البيت الابيض ان مؤيدي اسرائيل هم الذين اسقطوا والده وهم الذين سيحاولون اسقاطه.

طبعا لم يكن دبليو يقول هذا الكلام في العلن، لكنها شكوى كان يكررها امام اصدقائه العرب الذين كان يقول لهم ان والده دفع ثمن صداقاته. وبدل ان يتصل الرئيس الاميركي بالرئيس الفلسطيني بنفسه، ترك وزير خارجيته ينقل الموقف والرغبات. ألم يحن بعد وقت الاتصال المباشر؟ هل لأن لا معرفة شخصية بعد أم لأن ياسر عرفات لا يزال «التشيرمان» عرفات وليس رئيس الدولة، عرفات؟ ألم تلغ زياراته للبيت الابيض هذه الفوارق؟ كل اللقاءات (ومكالمة باول) كانت حتى الآن دون مستوى القمة. وآرييل شارون يرسل ابنه في الخفاء لكنه في العلن لا يزال يقول انه يرفض مصافحة ياسر عرفات، ولا يزال يقصف بالصواريخ الفرقة 17، التي هي بمثابة الحرس الجمهوري في دول اخرى. ولا يزال يجزئ اراضي السلطة قطعا قطعا. ومنذ وصوله قبل اكثر من شهر وهو يجوع الضفة وغزة، فيما يعلن بناء 2800 مسكن جديد في «هارهوما» حيث «جمد» نتانياهو مشاريعه وجرافاته، ولو الى حين.

وجهان يتحولان، كما في لعبة الكومبيوتر، الى وجه واحد: عمال وليكود. شمعون بيريز يذوب في ملامح آرييل شارون. والادارة الاميركية التي «استبعدت» دعاة اسرائيل سارعت الى استخدام الفيتو لحساب حكومة «الاتحاد الوطني» في اسرائيل بعنوانها المزدوج او الموحد او المذوب: شارون وبيريز. والمعياران او الميكيالان يتحولان عفويا الى مكيال واحد. ولمرة يخرج كوفي انان من لعبة الموازنات الباهتة ليقول ان من العبث اتباع سياسة المطالبة بوقف العنف قبل الدخول في المفاوضات: «انني شخصيا لا اؤيد هذه السياسة، بل اعتقد انه (العنف) سبب اضافي للتفاوض العاجل».

ثمة خريطة سياسية ترفض ان تتغير: الاتحاد الوطني الاسرائيلي في وجه السلام والاتحاد القومي الاميركي في وجه الفلسطينيين: 78 شيخا و209 من اعضاء مجلس النواب الاميركي. أي 55% من مجموع الكونغرس قرروا، في ضوء كل ما يشاهدونه على التلفزيون كل يوم، ان يطالبوا البيت الابيض بمعاقبة السلطة الفلسطينية وطرد سفيرها من واشنطن.

لكن السادة الشيوخ والنواب لم يقولوا الى اين يمكن ان يذهب صديقنا حسن عبد الرحمن من واشنطن.

ولو اعادوا قراءة «حقوق الانسان» على عجل لاكتشفوا ان هذا الفلسطيني النموذجي امضى يفاعه مشردا في بلاد العرب وشبابه مشردا في براري اميركا اللاتينية وجاء الى واشنطن ليس بحثا عن مأوى بل عن وطن يعود اليه. يرجى من السادة ابعاده الى وطنه عندما يسلمونه اشعارا بالاستسلام.